على الرغم من التأكيد على بدء مرحلة جديدة من المفاوضات حول وقف إطلاق النار في غزة في القاهرة يوم الأحد، إلا أن إسرائيل قررت تأجيل مغادرة وفدها إلى مصر بسبب اتهامات حماس بخرق الترتيبات المتفق عليها. تحاول مقالة للكاتب رينيه باكمان على موقع ميديا بارت الفرنسي تفسير أسباب استمرار المفاوضات بين إسرائيل وحماس عبر وسطاء مثل قطر ومصر والولايات المتحدة، دون تحقيق نتائج ملموسة حتى الآن.
يُشير الكاتب إلى تدهور المناخ الدبلوماسي، حيث يظل مناخ النجاح المتسارع للمفاوضات قبل شهر رمضان متواضعًا. تعلقت حماس برؤيتها بشأن عدم فتح المفاوضات على حساب حياة الشعب، مع التأكيد على أن إسرائيل ستتحمل المسؤولية في حال فشلت. في المقابل، كما رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شروط حماس، ووصفها بأنها “غير مقبولة”.
وفي رأي باكمان، يتسم تدهور المناخ الدبلوماسي بالعديد من الجوانب، بما في ذلك المشاكل السياسية والشخصية لنتنياهو، وتقلب ائتلافه البرلماني، وصعوبته في التصدي لتحديات ما بعد الحرب. ويشير إلى أن نتنياهو يظهر بمظهر سياسي مغرور وحاد في تصرفاته، مما يعكس تأثير المصالح الشخصية والرغبات الأيديولوجية على قراراته. وفي النهاية، يشدد باكمان على أن مستقبل نتنياهو، سواء سياسيًا أو شخصيًا، يظل العامل الرئيسي الذي يؤثر على اختياراته النهائية، وهو ما يجعله غير قادر على التصرف بشكل لائق كرجل دولة عند مغادرة المسرح السياسي.
وبدا خلال اللقاءات التي جرت في باريس، أن حماس طلبت وقف القتال لمدة 135 يوما على 3 مراحل من 45 يوما، وإطلاق سراح 100 من المحتجزين الأحياء ونحو 30 جثة، مقابل إطلاق سراح إسرائيل جزءا من 8 آلاف أسير في سجونها وانسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق المأهولة في المرحلة الأولى من الهدنة، ثم الانسحاب الكامل من القطاع بأكمله في المرحلة الثالثة.
وبدا التوصل إلى اتفاق ممكنا بشأن هذه المقترحات -كما يقول الكاتب- ولكن نتنياهو رفضها بشكل عام، وقال إنه عازم على مواصلة العمليات العسكرية حتى ما يسميه “النصر النهائي”، الذي لا يعرف جنرالاته ما الذي يعنيه، هل هو القضاء على حماس؟ أم تدمير البنية التحتية السياسية والإدارية؟ أم طرد السكان الفلسطينيين، وعودة الاحتلال، كما يحلم بعض الشركاء في الائتلاف الحكومي؟
وأوضح نتنياهو أن “أي اتفاق لوقف إطلاق النار لن يجبر القوات الإسرائيلية على الانسحاب من غزة قبل النصر”، رغم احتجاجات عائلات المحتجزين، وقال إن الضغط العسكري من شأنه أن يمنحه شروط تبادل أفضل، ولكنه لم يتمكن من إخفاء أنه ليس في عجلة من أمره لإبرام اتفاق.
ومن دون حل ذي مصداقية لفترة ما بعد الحرب مباشرة، وعدم الاستعداد في حالة انتهاء القتال لمحاسبة الرأي العام له على الظروف المضطربة التي تمكنت حماس في ظلها من تنظيم هجوم السابع من أكتوبر، فإن نتنياهو لم يعط درجة عالية من الأولوية لإبرام اتفاق عندما خاطب الوفد الذي أرسله إلى باريس.
وبدت المفاوضات التالية في القاهرة، منتصف فبراير، واعدة وأكثر توترا، خاصة بحضور وفود أردنية وسعودية وإماراتية بالإضافة إلى تمثيل فلسطيني، مما أعطى تفاؤلا بأن المناقشات ستتجاوز المساومة الإنسانية العسكرية حول تثبيت وقف القتال وإطلاق سراح المحتجزين، إلى بعد طرح خطة سلام إقليمية طويلة المدى يريدون الإعلان عنها بشكل رمزي قبل بداية شهر رمضان.
ومع ذلك، بدت “هذه النية السلمية غير واقعية إلى حد ما، بل وحتى خيالية بشكل واضح”، لأن نتنياهو، رغم طلبات عدة عواصم صديقة، يواصل تأكيد ما يكرره باستمرار من أنه “لا مفاوضات ولا ضغوط خارجية ستمنعه من شن الهجوم البري، على رفح”، حسب الكاتب.
وكما كان متوقعا، ركزت المفاوضات على وقف القتال وإطلاق سراح المحتجزين وعلى تطوير خطة سلام إسرائيلية فلسطينية طويلة الأمد، بما في ذلك إقامة دولة فلسطينية.
ومن المعروف أن نتنياهو كان يعارض دائما إنشاء دولة فلسطينية، ويعادي جذريا عملية السلام ويؤيد بحزم تطوير الاستيطان وضم الأراضي الفلسطينية ببساطة، وهو يتصرف اليوم كما لو أن “اتفاقيات أبراهام” التي أبرمت في سبتمبر2020 تعني التطبيع بين إسرائيل والعالم العربي دون الاضطرار إلى تقديم أدنى تنازل للفلسطينيين.
فلماذا في ظل هذه الظروف، يتعين على نتنياهو أن يخوض صفقة تبادل محتجزين بسجناء، ويمنح الدول العربية وسيلة لابتزاز تنازلات يرفضها، وسيجعله حلفاؤه الدينيون يدفع مقابلها نهاية التحالف الذي يسمح له بالاحتفاظ بالسلطة.
وبالفعل تؤكد خطة ما بعد الحرب، التي كشف عنها نتنياهو قبل أسبوعين بعد حصوله على موافقة مجلس وزراء الحرب، أنه لا يزال متمسكا بثوابته، وأنه لا يأخذ في الاعتبار اقتراحات واشنطن والشركاء العرب وتوصيات المجتمع الدولي، وقد قال الدبلوماسي السابق ألون بينكاس الذي أصبح محللا سياسيا، إن “هذه الخطة غير قابلة للتطبيق، علاوة على أنها ليست خطة”.
وفي تناقض تام مع المرجعيات المقبولة منذ اتفاقيات أوسلو، فإن موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي يمنع بحكم الأمر الواقع التوصل إلى نتيجة تفاوضية على أساس إنشاء دولة فلسطين، ولكن سلوكه غير المنتظم في الحرب يجعل وضعه السياسي أسوأ، وقد وصلت شعبيته إلى مستوى غير مسبوق من التدني، ويهدد وزير دفاعه بتفجير الائتلاف احتجاجا على إعطائه الأولوية لمصالحه السياسية الشخصية بدل مصالح البلاد.