الدكتور نضال المجالي
لم يتمكن منتجو فيلم “مؤتمر الأطراف” السنوي في جلسة تصوير انعقاده في العاصمة الأذرية باكو من إقناع الجمهور المتابع له بجودة مضمونة وجدية المعنيين وصدق المحتوى بالرغم من إعادة التصوير للمرة 29 في بلدان مختلفة وتحت عناوين مكررة، محققا رقما قياسيا يستحق من القائمين على لائحة غينيس للأرقام القياسية إصدار وثيقة بحقه كنموذج لأكثر محاولات دولية تخص المناخ دون أي نتيجة، بالرغم من حجم ما ينفق عليه من أموال وجهد من كافة المشاركين وتعدد مواقع التصوير والتي تمثل دول الاستضافة كل عام.
“كلاكيت 29 مرة” هو التسمية الفنية الأصوب “لمؤتمر الأطراف كوب 29″، كونه لم يتجاوز في دوره سوى إضافة أيام لالتقاط الصور والتمثيل على الدول المتضررة والإقامة الفندقية وبث كمية أكبر لغاز ثاني أكسيد الكربون من حجم ما صدر عن وسائط النقل التي استخدمها المشاركون وصولا لموقع التصوير الأخير إلى الدولة المستضيفة، “كلاكيت 29 مرة” هي عدد مرات إعادة الحديث في قضايا جوهرية كانت وتستمر لتكون المؤشر القادم من مستوى تراجع حياة الأفراد والمناخ والبيئة، خصوصا في دول العرض لفلم “مؤتمر الأطراف” في المناطق والدول الأشد فقرا وتضررا من غازات الدول المصنعة الكبرى، لتكون مناطقنا تمثل دور مسارح العرض للأضرار وأكثر المتأثرين من متابعين لها على شباك تذاكر فلم واقع نهاية الكون.
في فيلم “مؤتمر الأطراف” ولن اقول “كوب29” كان الأقوى والأكثر صراحة والحقيقة الوحيدة في الحدث هي حديث ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله، والذي تجاوز وعي الجميع ووضع حقائق مفزعة ضمن أسطر النص وأمام كافة المتابعين، حين قال إن إعادة الإعمار لغزة ستبث ما يعادل انبعاثات 135 دولة لأكبر غاز مسبب لكارثة تغير المناخ وهو غاز ثاني أكسيد الكربون، وكأنه يقول بلغة السياسة إن السكوت لعام كامل عن دمار بقعة من الأرض هو دليل عدم جدية كل من اجتمع اليوم ليقنعنا بحماية الكوكب.
في فيلم “مؤتمر الأطراف ” كان صوت الأردن جليا على لسان الأمير تأكيدا أن المستقبل لن يكون الأجمل ما لم يكن السلام والمناخ والأمن حقائق مترابطة قبل أن يكون المال والتعويض والوعي والوعود بالتمويل هي سبب الاجتماع، وللأسف في عالم اجتمع أغلب وأبرز قادته من الدول العظمى على دمار غزة وجعلها محرقة القرن لن يكون صادقا للاجتماع مجددا معه، أو انتظار بارقة أمل ونور منه، حتى لو كانت من ثقب أوسع من ثقب الأوزون الذي ساهمت في اتساعه غارات طائرات أسقطت آلاف الأطنان من قنابل صنعوها في مصانعهم على غزة أرضا وشعبا.
في قضايا المناخ لا مستقبل إلا بالمنعة، ولا منعة إلا بالتشدد بحماية النظم البيئية التي تتمتع بتنوع بيولوجي مرتفع، ولا منعة إلا بالحفاظ على موائل الأسماك والحياة البحرية والبرية واستعادتها من خاطفيها، ولا منعة إلا بمساعدة الطبيعة على تحمل الظروف المتغيرة، ولا منعة دون إعداد المجتمعات للتأثيرات المناخية والتكيف مع الظروف والواقع، ولا منعة دون تقبل خسائر آنية تحقيقا لأرباح مستدامة لأجيال قادمة، ولا منعة دون قوانين صارمة لاحتجاز الكربون في الطبيعة، وكل ذلك منهج عالمي أو محلي، وكل ذلك لن يتحقق أردنيا ما بقي ملف البيئة يدار بعقلية “أنا زعلان منك أو أنا راض عنك” في اتخاذ القرارات أو الإقالات، وما دامت جمعيات ومؤسسات البيئة تتحول لأجسام بيروقراطية تدار بفكر المال وأهمية التمويل على حساب الضرر ويهاجر هروبا أبرز عقولها للعمل في دول حولنا، وما دام التهميش لأصحاب المصلحة عنوان المرحلة.