الدكتور نضال المجالي
رسل لي أحد المعارف رسالة قبل نحو أربع سنوات أو أقل بعد استلام منصب حكومي، كتب فيها «بكم تزهو المناصب»، مشيدا ومهنئا ومجاملا بما يمكن أن أقدمه في موقع العمل آنذاك، حتى قبل المباشرة بأول أيام العمل فيه، ولكن غاب هذا الشخص عن كل أشكال المراسلات والاتصالات والزيارات والنصح بعد أن انتهت فترة الزهو بالمنصب، وبعد أن ارسل ذات الرسالة لمن كان بعدي يشغل ذات المنصب.
في غالب أسلوب حياتنا ترى الكثير ممن يعيشون حالة المجاملات غير المنتهية في تهنئة مسؤول عند استلام منصب، أو اعتمادها أسلوبا في بناء شبكة الاتصال والتعايش مع الأقران ممن يحيطون بنا بمختلف مواقعهم وقربهم الفعلي منا، وبالرغم من اختلاف شخصياتنا وطبائعنا ومدى تقبلنا للعيش في هذه الحالة، والتي يرى البعض انها ضرورة من ضروريات الحياة اليومية في هذا الزمن، حتى أصبحت سمة في الغالب وان كان لها أكثر من شكل ومسمى، وكل ذلك لتجاوز التسمية الحقيقية لها، والذي لا يخالف معناه في أي لغة من كونه «حالة نفاق اجتماعي»، ومنها ما يتجاوز الشخصية السوية وان تم رفض التسمية في العلن، إلا انك لا تجالس شخصا واحدا ممن استقبل تلك الرسالة أو انهى يوما من أيام حياته في المجتمع، إلا ويؤكد لك أن العلاقة مع صاحبها انتهت بانتهاء المصلحة ومغادرة منصبه.
ما أود أن أتحدث عنه أمرين نصحا لا مجاملة أو حالة نفاق؛ الأول أن لا باقي غير وجه الله، فلن يطول منصبك وزهوك فافعل خيرا واعمل حقا في موقع عملك، وبما يمليه عليك ضميرك وما أرسته قوانين وانظمة وتعليمات العمل أو الحياة وقبل كل ذلك الدين، حتى لو كنت ستعلم أن قالوا في حقك بعد خروجك من الموقع، سواء اكان منصبا عاما أو مجلسا في أي موقع: « كان شوكه بحلقنا وخلصنا» أو « ما شفنا خير منه» أو غير كل ذلك من قائمة تطول اتهاما أو تصيدا أو بث حقد حينها، بالرغم من كلامهم المعسول قبلها، والأمر الثاني أني أرى أشخاصا هم من قد زهت بهم المناصب وليس العكس، فأصبحوا أكثر إشراقا ومكانة ومساحة في القول والفعل والرفاهية في أسلوب حياته، فمن كان منهم قبل سنوات بائعا أضحى اليوم مشتريا، ومن كان لا يبدأ كلامه إلا بعبارة «سيدي» و «أحلامك أوامر» أصبح اليوم سيدا ويحاسب من لم يحقق أحلامه.
ولنعلم ان من كانوا في حياتهم وعطائهم وصدق دورهم سببا ليزهو المنصب أو موقع الخدمة فكان خير من قدم وارتقى وساعد واعتلى همة وبناء هم قلة، ومن كانت المناصب سبب زهوهم ورغد العيش في حياتهم وعودتهم للحياة من جديد وان كانوا قبلها يحملون شهادة «معلولية» اما طبيا أو رفضا مجتمعيا هم الأكثرية، وهنا السؤال الاهم الموجه لهم: هل كنتم فيما ملكتم أصحاب حق؟ وان خرج بينهم من قال أنا صنعت نفسي، اسأله كيف تفسر وتبرر خروج موظف دولة عام بعد سنوات قليلة من موقع عمله في دولة رواتب موظفي القطاع العام فيها متواضع مهما كان كبيرا، وتراه اعتلى سكنا في أجمل المواقع إطلالة لبيت لا مثيل له، وركب هو وابناؤه أحدث المركبات وأكبرها محركا، وتقلد ورثته في حياته ومماته أعلى المناصب واستحقوا المنح دراسة وعلاج في الخارج؟ وفي ذات الأمر ايضا أقول لمن أرسل رسالة « بكم تزهو المناصب» حاول عندما ترسلها عبر تطبيق الواتس اب أن تعيد كتابتها من جديد ولا ترسلها والمؤشر اعلاها يظهرها « إعادة إرسال».