الدكتور نضال المجالي
ملايين الدنانير تخصصها الحكومة لعدد من الهيئات والمؤسسات والشركات، وتلتزم سنويا على ادراجها ضمن ابواب موازناتها على اعتبار انها جزء من هيكل الدولة، او ذات تبعية ادارية او خدمية او تنفيذية او خلاف ذلك، وتعيش هذه الموازنات دورة كاملة منذ المباشرة بوضع تقديراتها ومتطلباتها الى مراحل متطورة تناقش فيها هذه الميزانيات على مستويات مختلفة، حتى تنتهي باقرارها من قبل مجلس الامة بعد جلسات طويلة من نقاشات النواب واللجان المختصة، ثم يتم العمل بمضمونها لتبدأ هنا دورة جديدة تمثل شكل الانفاق على حياة ومسيرة خطط واستراتيجيات وهياكل رسمية متنوعة، في غاية انجاز ما التزمت به تلك الهيئات من نتائج بمقابل المخصص المالي لها.
وبما اننا في مرحلة متقدمة من تقديم هذه الموازنات للحكومة ومجلس النواب، اطالب دولة رئيس الوزراء وهو ممن يهتم بالتفاصيل بحكم موقع عمله السابق، او بحكم خبرته الاقتصادية السابقة، او بحكم حجم ومستوى الدرجات العلمية التي استحقها، او بما هو مأمول منه خلال القادم من عمر حكومته، لاقول له ان هناك – وكما هو يعلم – عدد لا يستهان به من هيئات ومؤسسات وشركات انفقت ما لا يوازي ما التزمت به من خطط، ولا يوافق مؤشرات الاداء المفقودة اصلا، سواء المطلوبة او الموعود بها، والتي منحت وفقه هذه المبالغ، مما يستوجب المحاسبة واعادة التفكير قبل اعادة منحهم موازنات تبذل الحكومة في تحصيل اموالها جهود لا تنتهي، لتصرف من قبل تلك الهيئات –على البارد المستريح- من اشكال الترف والانشطة والبرامج ذات العائد الصفري.
بين تخفيض لمخصصات لا يقابلها انجاز، او الغاء لهيئات ودمج اخرى تتشابه اهدافها باقل النتائج، سيكون الوفر عندها اجدى من التوجه لبعض القرارات ذات الاثر المباشر على المواطن -المستهلك النهائي- للخدمات جميعها، وصاحب المورد الاول في بناء تلك الموازنات، وعندها ستكون المعادلة مقبولة لدى المواطن واكثر اقناعا، ليكون مساهما وموردا اساس لها، والشواهد كثيرة وسردها سيغضب الجميع، وابرزهم المستفيدون المباشرون كاشخاص من مخصصات وعلاوات وسفريات وامتيازات ومركبات ومناصب، مقابل مؤشرات اداء غير محققة، اما بسبب حجة الظروف السياسية او بسبب حقيقة ضعف المكلفين بالعمل او بسبب الرغبة المستمرة في الرفاهية المجانية على حساب الدولة، او بسبب مؤسسة او منشاة اوجدت من العدم لعيون احبة.
عزيزي دولة الرئيس وانت الذكي، وكما شهدنا دائما قرارات جرئية احتسبت على جيب المواطن – وفق النقاش العام بالخصوص – وتحت عنوان المصلحة العامة، نتمنى ان نشهد قرارات اكثر جراءة بحق شركات حكومية تدفع رواتبها بالملايين ولا سكة تسير عليه، وهيئات انفقت بسفرها الملايين ولا زيادة في الوصول والاستقطاب، ووزارات وشركات تسكن وتملك مباني في مواقع حيوية مليونية ولا تقدم خدمة حقيقية، وحقيبة بيئة تستقطب وتدير منح دولية وتشارك العالم بمؤتمراته ولا تقارير دورية تصدر بوقتها، ودراسات وعقود استكشافية وتنقيب عن موارد باعلى التكاليف تختبى في ادراج المكاتب ويعاد تنفيذها، وقضايا وعقود تجديد او جديدة اقتصادية ومليونية خسرناها مقابل قرارات وتوصيات فردية، وعطاءات تتوه بين استحقاق الصرف والاستلام الكفؤ والاوامر التغيرية، والقائمة تطول ووعيك بها موجود بحكم الخبرة والمشاهدة، وما على الحكومة سوى ان تقرا الواقع قبل الموافقة على اي موازنة لجهة او وزارة او حتى قبل عرضها على مجلس النواب، وليكن تقيم الاداء على الارض واقعيا كما هي جولاتك الهامة التي بدأت بها لتلك الجهات، ولا تعتمد على عرض لصفحات ملونة وحديث لا يصلح الا لموضوع مدرسي في الانشاء يقدمونه لانجازات من كرتون، او تخضع لقول ” هذا ما وجدنا عليه ابائنا”، فبكم ونخبة من بعض وزراء حكومتكم الامل معقود باذن الله.