نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرا بقلم ميريام بيرغر، حيث قدم طبيب تخدير فار من خان يونس في غزة، شهادة مؤثرة تكشف عن مخاوفه وتجربته الصادمة. يعبّر الطبيب، الذي رفض الكشف عن هويته حفاظًا على سلامته، عن خوفه من اتهامه بدعم حركة حماس.
وفي وصف مروع لتجربته، يشير الطبيب إلى لحظة فراره من المستشفى في خان يونس في 26 يناير، حيث انضم إلى العاملين الطبيين النازحين في غزة. يعيش الآن في خيمة نايلون، معبّرًا عن حزنه وقلقه بشأن أسرته الكبيرة في رفح التي تعتمد على دعمه.
ويكشف الطبيب عن التعذيب النفسي الذي تعرض له بعد مشاهدته صور الإذلال عبر الإنترنت وسماعه لتفاصيل انتهاكات الأسرى الفلسطينيين في مواقع الاحتجاز السرية الإسرائيلية. يبرز تحدياته كأب، معبرًا عن قلقه الشديد إزاء مستقبله ومستقبل أسرته في ظل هذه الظروف الصعبة.
في تفاصيل يسردها انه فر برفقة ثلاثة زملاء آخرين في المجال الطبي، ولكنه كان الوحيد الذي استطاع الوصول إلى رفح، حيث عاد رفاقه إلى المستشفى مخافة الاعتقال. يشير الطبيب إلى أن القرار بالمغادرة جاء بسبب الأوضاع الصعبة التي شهدوها، موضحاً: “كان هناك الكثير من إطلاق النار والدمار، وكنت مضطرًا للمغادرة لأن لدي عائلة كبيرة أنا مسؤول عنها”.
ويتخذ طبيب التخدير من رفض زملائه الثلاثة للعودة مؤشرًا على مصيرهم، حيث يعتقد أنهم الآن جزء من مجموعة تضم 70 متخصصًا في الطب والتمريض والتقنيات الطبية، تم اعتقالهم من قبل القوات الإسرائيلية في مستشفى ناصر، وتم احتجازهم وفقًا لوزارة الصحة في غزة. يشير الطبيب إلى أنه ربما نجح في تجاوز نقاط التفتيش بسبب حمله لطفل وجده وحيدًا في ظل الفوضى أثناء الهروب.
كما تظهر الأرقام الصادرة عن السلطات الفلسطينية أن هناك أكثر من 100 من العاملين في الميدان الطبي محتجزين في السجون الإسرائيلية، حيث يظل مصيرهم ومكان احتجازهم غير معروفين تمامًا.
وترجح وزارة الصحة أن يكون الباقون نازحين، وقال مسؤول الوزارة أحمد شطات إن معظم الأطباء فروا من منازلهم إلى الجنوب ويعيش معظمهم في خيام، ويكرسون أيامهم لمحاولة العثور على الطعام والماء حتى يتمكنوا هم وعائلاتهم من البقاء على قيد الحياة.
ويخشى كثير من الأطباء -حسب الصحيفة- من العودة إلى القطاع الطبي وأزماته الحادة، حيث يقف سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة على حافة المجاعة -وفقا للأمم المتحدة– وتنتشر بينهم الأمراض المعدية، ويحذر المحللون وعمال الإغاثة من أن الجوع والمرض يمكن أن يقتلا عددا أكبر من الناس مقارنة بالأسلحة الإسرائيلية.
ووفقًا لتقرير الصحيفة، يظل عدد قليل من المستشفيات والمرافق الطبية في قطاع غزة مفتوحًا، حتى وإن كان ذلك جزئيًا. وقد وجه كريستوفر لوكيير، الأمين العام لمنظمة أطباء بلا حدود، استفهامًا إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يعبر فيه عن تساؤلاته حول كيفية الحفاظ على أي استجابة إنسانية في ظل استهداف وهجوم العاملين في المجال الطبي، مما يؤدي إلى تشويه سمعتهم بسبب تقديم المساعدة للمصابين. وأشار إلى ضرورة الاعتناء بالأوضاع الصحية في غزة، حيث أشار إلى تفكيك الجيش الإسرائيلي للمستشفيات والمرافق الطبية.
وتقوم إسرائيل بالتأكيد على أن الأطباء والمستشفيات في غزة يقدمون غطاء لمقاتلي حركة حماس، ولكن أكد أطباء فلسطينيون ومتطوعون طبيون دوليون أنهم لم يشهدوا أي دليل على نشاط مسلح في مؤسسات الرعاية الصحية.
كما تقول جماعات حقوق الإنسان إن الغارات الإسرائيلية على المنشآت الطبية والمهنيين الطبيين تنتهك القانون الدولي، ولا تتناسب مع أي تهديد يشكله المسلحون الذين ربما كانوا في المستشفيات.
وتحتفظ إسرائيل بسلطة احتجاز سكان غزة دون تهمة بموجب قانون المقاتلين غير الشرعيين لعام 2002، وهو شكل من أشكال الاعتقال الإداري الذي تقول جماعات حقوق الإنسان إنه ينتهك القانون الدولي .
وقالت بدور حسن، الباحثة في منظمة العدل الدولية إنه “يمكن النظر إلى احتجاز هؤلاء الأطباء باعتباره امتدادا للهجمات على المستشفيات والمرافق الطبية، التي من المفترض أن تكون محمية بموجب القانون الدولي”.
وقد أنشأ بعض الأطباء النازحين عيادات مجانية في المخيمات والملاجئ للنازحين، ويعمل طبيب التخدير عدة أيام في الأسبوع في مستشفى النجار في رفح، وهو لا يشعر بالأمان، خاصة عندما أعلن الجيش الإسرائيلي أنه يتجه نحو رفح، “إذا حدث شيء لرفح أين يمكننا أن نذهب؟”.