أثار تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بسحب الدعم الأمريكي والانسحاب من محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا، حالة من القلق في كييف، إذ يتوقع المسؤولون والجنود الأوكرانيون هجومًا روسيًا دمويًا في الصيف، يمكن أن يعيد تشكيل مسار الحرب، وفق ما أوردته صحيفة” فايننشيال تايمز” البريطانية.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين وجنود أوكرانيين، أن الضغط الذي يمارسه مسؤولو أوكرانيا من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا، يعزز التوقعات بأن الحرب الروسية المستمرة منذ سنوات قد تنتهي في أي وقت قريب.
لكن المسؤولين الأوكرانيين يشيرون إلى أن روسيا لا تُظهِر أي إشارة إلى تقليص هجماتها العسكرية أو تقديم تنازلات حقيقية، وأضافوا أن اجتماعًا عُقِد مؤخرًا في تركيا جعل مفاوضي كييف على قناعة بأن السلام لا يزال بعيد المنال.
وحذر كبير المفاوضين الروس من إمكانية الهجوم مجددًا والاستيلاء على منطقتي سومي وخاركيف شمالي أوكرانيا، وفقًا لمسؤول أوكراني.
وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس الماضي، أن قواته “تعمل على إنشاء منطقة عازلة أمنية” على طول الحدود الأوكرانية، وهو المصطلح الذي استخدم من قبل للإشارة إلى التوغلات عبر الحدود.
وترى “فايننشيال تايمز” أن دعم واشنطن المتذبذب لكييف لم يشجع الزعيم الروسي إلا على الجرأة، وقالت الصحيفة إنه بعد حديث مطول مع بوتين، الاثنين الماضي، أبلغ الرئيس الأمريكي نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بضرورة توصل الطرفين إلى اتفاق سلام.
وكانت الحكومات الأوروبية أيضًا بطيئة في تنفيذ تعهداتها بتعزيز الأمن، بما في ذلك “قوة الطمأنينة” المقترحة التي لم تتحقق بعد، ويخشى البعض في كييف من أنها قد لا تتحقق أبدًا.
وقال يهور فيرسوف، وهو عضو في البرلمان وقائد وحدة الطائرات بدون طيار في اللواء 109 في أوكرانيا، إن “بوتين مقتنع بقدرته على سحق أوكرانيا.. إنه يعتقد ببساطة أن استسلامنا الكامل مسألة وقت فقط.. وقد تُوقِف الولايات المتحدة مساعداتها في أي يوم الآن.. إنه يرى أوروبا ضعيفة ومترددة”.
وعلى طول خط المواجهة الأوكراني، الذي يمتد لأكثر من ألف كيلومتر، استقر إيقاع الحرب في نمط وحشي ومميت، وتعيد موسكو تنظيم صفوفها استعدادًا لما وصفه الجنود والمحللون بأنه تمهيد لهجوم جديد وكبير في الأشهر المقبلة، وفق “فايننشيال تايمز”.
ونقلت الصحيفة عن القوات الأوكرانية على الجبهة الشرقية، إن المشاة الروس يتنقلون بسرعة على دراجات نارية وعربات صغيرة ودراجات كهربائية. وشبههم سعيد إسماعيلوف، وهو جندي كان سابقًا كبير رجال الدين المسلمين في أوكرانيا، بـ”سرب من الجراد.. ليس موجة واحدة كبيرة، بل سيل لا ينتهي.. لا يكترثون بالخسائر.. إنهم يواصلون القدوم”.
واشتدت المعارك في الأسابيع الأخيرة حول بوكروفسك وكوستيانتينيفكا، ما زاد الضغط على معاقل كراماتورسك وسلوفيانسك واقترب من حدود منطقة دنيبروبيتروفسك المجاورة.
وما يعزز التقدم الروسي الأسلحة الثقيلة ذات التقنية العالية المشاة الذين يشقون طريقهم عبر المنطقة، بما في ذلك القنابل الانزلاقية والصواريخ والطائرات بدون طيار، بما في ذلك النماذج الجديدة المتصلة عبر كابلات الألياف الضوئية التي تجعلها محصنة ضد التشويش الإلكتروني.
واضطر المدافعون إلى الانسحاب من بلدات، بما في ذلك توريتسك وتشاسييف يار، حيث ثبت أن تكلفة الاحتفاظ بالأرض مرتفعة للغاية.
مع ذلك، قال فرانز ستيفان جادي، المحلل العسكري المقيم في فيينا، إن الأوكرانيين “لا يزالون قوة دفاعية هائلة”، وأضاف: “يمكننا توقع تقدم روسي تدريجي، ولكن دون انهيارات وشيكة، أو انهيار في خط المواجهة”.
ولفت إلى أن الأوكرانيون أصبحوا الآن أقل اعتمادًا على الولايات المتحدة في إمدادات المدفعية، بعد أن عزز الأوروبيون تواجدهم، وأضاف أن روسيا “لا تتفوق إلا بشكل طفيف في نيران المدفعية”.
وقال نائب قائد وحدة هجومية قرب بوكروفسك، إنهم لا يزالون صامدين، “لكن منهكون”، وأضاف إن هذا الشعور بالإرهاق والإحباط بين صفوف الجيش الأوكراني، نتيجة شعور متزايد بعدم وجود خطة واضحة لإنهاء الحرب.
أعرب أوليكساندر شيرشين، قائد كتيبة في اللواء الميكانيكي الـ47 النخبة، عن مخاوفه هذا الأسبوع، وتشغل وحدته دبابات أبرامز أمريكية الصنع ودبابات ليوبارد الألمانية -رمزان للدعم الغربي لكييف- لكنه كتب على وسائل التواصل الاجتماعي، أنه “حتى أفضل المعدات لا تعوض عن التخطيط الخاطئ الذي أوقع رجاله في خطر”.
وكشفت الحرب عن نقاط ضعف راسخة في هيكل القيادة الأوكراني، ويرى كونراد موزيكا، مدير شركة روشان للاستشارات الدفاعية، أن إصلاح هذه النقاط أمر صعب “في ظل خوض حرب هي الأشد ضراوة منذ الحرب العالمية الثانية”.
وفي اجتماع للكرملين حول التنمية الاقتصادية هذا الشهر، زعم بوتين أن ما يصل إلى 60 ألف روسي “يتطوعون” للانضمام إلى الجيش شهريًا، أي ضعف عدد الأوكرانيين البالغ عددهم نحو 30 ألفًا.
مع ذلك، رفضت أوكرانيا خفض سن التجنيد الإلزامي إلى أقل من 25 عامًا، مقاومة ضغوط الولايات المتحدة وحلفائها، ولا تزال حملة التعبئة الشعبية تشوبها الفساد والتجنيد الإجباري، بما في ذلك قيام ضباط التجنيد باعتقال الرجال غير المسجلين من الشوارع وحشرهم في شاحنات.
وفشلت حملة تجنيد لجذب الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا إلى حد كبير، إذ لم يتقدم سوى بضع مئات من المتقدمين، وفقًا لما نقلت “فايننشيال تايمز” عن أشخاص مطلعين على البرنامج.
وتظل نقطة مضيئة نادرة بالنسبة لأوكرانيا تتمثل في إنتاجها المحلي للطائرات بدون طيار، القادرة على إلحاق أضرار جسيمة وتعطيل بعض التقدم الروسي.
ومع ذلك، حذر فاليري زالوجني، الجنرال السابق الأعلى رتبة لأوكرانيا والسفير الحالي لدى المملكة المتحدة، من توقع “نوع من المعجزة من شأنه أن يجلب السلام إلى أوكرانيا”.
وأضاف: ” في ظل النقص الهائل في الموارد البشرية والوضع الاقتصادي الكارثي الذي نواجهه، لا يسعنا إلا الحديث عن حرب بقاء عالية التقنية.. أولوية أوكرانيا هي القتال بطريقة تستخدم الحد الأدنى من الموارد البشرية والوسائل الاقتصادية لتحقيق أقصى قدر من الفعالية”.
وتتزايد أيضًا هجمات الطائرات المُسيّرة، أطلقت روسيا أكثر من 2000 طائرة إيرانية مُسيّرة من طراز “شاهد” خلال العشرين يومًا الأولى من شهر مايو وحده، وبينما حسَّنت كييف قدرتها على التمييز بين الطائرات المزيفة، وتلك التي تحمل رؤوسا حربية حية، إلا أن العدد الهائل أصبح خارج نطاق السيطرة.
كما طوَّرت روسيا الطائرات بدون طيار، فأصبحت تحلِّق الآن على ارتفاعات أعلى وأسرع، ما يجعل إسقاطها بالرشاشات أصعب. وغالبًا ما تكون أنظمة باتريوت وطائرات إف-16، وكلاهما نادر، وهي الوسائل الوحيدة الفعالة لمواجهة ذلك.
وفقدت أوكرانيا إحدى طائراتها من طراز إف-16 في منتصف شهر مايو، أثناء مهمة جوية، بينما تمكن الطيار من القفز بالمظلة بعد إسقاط ثلاثة أهداف، ويقول العديد من الجنود، بل والمسؤولون بشكل متزايد، إن على البلاد أن تستعد لصراع طويل وغير متكافئ.