عن الرجولة والمكانة الاجتماعية والتكيف والنضوج، يقدم المخرج المصري أبو بكر شوقي في الفيلم السعودي “هجان” رحلة صحراوية لطفل يجد نفسه في مواجهة مع عالم صعب، ويفرض عليه القتال والنضوج والوقوف من أجل حقه ليثبت ذاته.
الفيلم الذي يعرض في قسم “إضاءة” ضمن فعاليات مهرجان عمّان السينمائي الدولي- أول فيلم، يشبه فيلم أبو بكر شوقي الأول “يوم الدين” الذي يخوض فيه صبي مصاب بالجذام وحماره رحلة البحث عن العائلة، ويتعمق في النسيج الغني للثقافة السعودية من خلال عدسة سباق الهجن.
يدور الفيلم حول صبي صغير يدعى مطر “عمر العطاوي”، الذي يشرع في رحلة مؤثرة من النمو واكتشاف الذات والانتقام بعد الموت المأساوي لشقيقه على مضمار سباق الهجن.
تجربة سباق الهجن
تم تصوير سباق الهجن، وهو جزء لا يتجزأ من الثقافة العربية بواقعية؛ حيث عرض الفيلم أهمية الرياضة، ويؤكد دورها في المكانة الاجتماعية والشرف واختبار الرجولة. من خلال عيون مطر، يكتسب المشاهدون نظرة ثاقبة للحقائق الشجاعة والقاسية في كثير من الأحيان لهذه الرياضة التقليدية.
وتم تصوير مشاهد السباق ببراعة، حيث يلتقط التصوير السينمائي الديناميكي لشدة وروح السباقات التي عززتها موسيقا المؤلف الموسيقي التونسي أمين بوحافة، مما رفع من التأثير العاطفي والدرامي للفيلم.
يعد “هجان” فيلما غنيا بصريا وثقافيا يصور بوضوح النسيج الثقافي المتنوع للمملكة العربية السعودية. يعرض الفيلم لهجات سعودية مختلفة تعكس التنوع الثقافي للمملكة. ويضيف هذا التنوع اللغوي الأصالة إلى السرد ويساعد في ترسيخ القصة في سياقها الثقافي المحدد. لا تعد حوارات الشخصيات وسيلة اتصال فحسب، بل هي أيضا تمثيل لهوياتهم الإقليمية الفريدة، مما يضيف عمقا إلى تصويرهم.
سباق الهجن: المعاني والقوة
سباق الهجن، الموضوع الرئيسي لـ”هجان”، هو أكثر من مجرد رياضة في الثقافة السعودية؛ إنه رمز للشرف والتقاليد والمكانة الاجتماعية. يجسد الفيلم بشكل فعال أهمية سباقات الهجن، مع تأكيد دوره في الترابط المجتمعي والاستمرارية الثقافية. من خلال بطل الرواية، مطر، ورحلته في عالم سباقات الهجن، يتم تعريف الجمهور بالاستعداد المكثف والاستثمار العاطفي والمخاطر العالية التي تنطوي عليها هذه الرياضة التقليدية. تم تصوير سباق الهجن في الفيلم على أنه مسعى صارم ومتطلب لا يتطلب مهارة بدنية فحسب، بل يتطلب أيضا مرونة عقلية وفطنة استراتيجية.
قوة الوجود في السباق
ينقل الفيلم بقوة التجربة التحويلية لكونه جزءا من مجتمع سباقات الهجن. بالنسبة لمطر، السباق ليس مجرد منافسة ولكنه بحث عن الهوية والانتماء. علاقته بناقته، هوفيرا، بمثابة استعارة لنموه الشخصي وتصميمه. يتم تصوير السباقات نفسها بالتصوير السينمائي الديناميكي، مما يجسد إثارة وتوتر الرياضة. كل سباق هو شهادة على شجاعة مطر ومثابرته، مما يوضح كيف تمتد قوة التواجد في السباق إلى ما وراء المسار وإلى عالم الإنجاز الشخصي والفخر الثقافي.
رحلة الصبي
رحلة مطر هي خيط سردي مركزي يقود الفيلم. بعد وفاة أخيه، تم دفع مطر إلى عالم؛ حيث يجب عليه أن يتنقل في حزنه، ويجد هدفه، ويسعى لتحقيق العدالة. يتم تصوير تحوله من صبي حزين إلى فارس إبل حازم بعمق وحساسية. يستكشف الفيلم مواضيع المرونة والشجاعة والبحث عن الهوية.
العلاقة بين مطر وناقته حفيرة
الرابطة بين مطر وناقته حفيرة هي أحد أكثر عناصر الفيلم تأثيراً. حفيرة ليست مجرد ناقة سباق؛ هي المقربة من مطر ورفيقته. تم تصوير علاقتهما بحنان يسلط الضوء على العلاقة العميقة بين البشر والحيوانات في الثقافة البدوية. وتؤكد هذه الرابطة الجوهر العاطفي للفيلم، وتضيف طبقات إلى شخصية مطر ورحلته.
واستخدم أبو بكر شوقي لغة سينمائية تجسد بشكل جميل جوهر الصحراء العربية وتراثها الثقافي. إن استخدام اللقطات الواسعة لعرض الرمال الذهبية الشاسعة، جنبا إلى جنب مع اللقطات المقربة التي تكشف عن مشاعر الشخصيات، خلق تجربة مذهلة وغامرة بصريا. وعلى الرغم من بطء سرعة الفيلم في بعض الأحيان، إلا أنه يسمح بلحظات من التفكير والتأمل، مما يعكس رحلة مطر الداخلية؛ حيث تنبض مشاهد “هجان” حقا بالحياة في تسلسلها المكثف لسباقات الهجن، والتي تم تنفيذها بشكل رائع من خلال التصوير السينمائي، فكانت النتيجة آسرة للغاية لدرجة أنها تعوض عن العديد من اللحظات الكئيبة والصامتة وغير المثيرة للاهتمام في الفيلم، فكلما عادت الكاميرا إلى ميدان السباق، تتعزز الحماسة وتترك الاهتمام إلى حد ما بما يحدث على الشاشة والجذر لمطر.
تكمن مشكلة “هجان” الفعلية في كونه فيلما مكلفا بعرض الصحراء السعودية الجميلة والعالم الفريد لسباقات الهجن كعنصر ثقافي لا يتجزأ. بصرف النظر عن مشاهد السباق، يبدو الفيلم فارغا للغاية، مع مشاهد لا حصر لها تظهر شخصيات تتخيل الفوز بالسباق بعمق ضئيل، والعنصر الأهم في رحلة مطر وهو بلوغ سن الرشد حيث يستكشف مطر ويعيد فحص هويته والغرض من حياته، ضاعت بمشاهد متكررة حول ميكانيكا وديناميكيات السباق بطريقة أثرت على سرعة سير الأحداث والجو العام، بسبب التبسيط الفائق، الذي اقترب من الضحالة وتفسير القصة والحوارات التي رافقها أداء ضعيف لبعض الممثلين وكثرة الحبكات الفرعية، على الرغم من كل الجمال الذي تقدمه الصحراء العربية، فإنه يضيع خلف البوابات المغلقة والغرف التي أخذت وقتا طويلا من المشاهد التي تستعيد بهجتها حين تعود بالأحداث للصحراء وسط سحر الرمال الذهبية.
فريق عمل أردني مميز
ضم الطاقم الفني نخبة من الممثلين العرب، منهم عبد المحسن النمر، شيماء الطيب، تولين عصام، محمد هلال وصالح الخلاقي. واستمرت رحلة صناعة الفيلم لمدة 21 يوما، في مواقع التصوير الأولية عبر منطقة وادي رم في جنوب الأردن، بالإضافة إلى منطقتي ضبعة وتبوك على خلفية المناظر الطبيعية الخلابة، حيث شاركت المنتجة الأردنية رولا ناصر في إنتاج الفيلم أيضا وطاقم من الخبراء المحليين.