الرئيسية مقالاتخطابات الموازنة في مواجهة عروض “الجمعة السوداء”!

خطابات الموازنة في مواجهة عروض “الجمعة السوداء”!

من admin
A+A-
Reset

الدكتور نضال المجالي

يبدو أن مناقشات الموازنة في الأردن أصبحت موسماً سنويا يشبه عروض “الجمعة السوداء”، مع فارق بسيط: العروض كثيرة… والبضاعة غير متوفرة. ومع ذلك يخرج بعض النواب ليعلنوا رفع الرواتب، وزيادة المخصصات، وتحقيق المعجزات، وكأنهم يملكون بطاقة سحرية فوق الدستور نفسه لا سمح الله. أمام النصوص الدستورية التي تمنع زيادة أي بند في الإنفاق. فتفاصيل صغيرة تُركَل تحت المنصة أمام رغبة البعض في دغدغة الجمهور وتحصيل تصفيق مجاني.

الشعب لم يعد “جمهورا مخدوعا”، بل متابع ذكي يعرف أن ما يُقال داخل القبة لا يملك قوة التنفيذ. لكن البعض يصر على لعب دور “فارس الموازنة”، يلوح بقائمة مطالب يعرف مسبقا أنها غير قابلة للصرف حتى في الخيال، متخيلا أن إلقاء كلمة حماسية سيُحوّل العجز إلى فوائض.

المفارقة الأكبر أن حتى من يقدّمون أنفسهم بيننا كصوت المنطق واصحاب النصحية المجانية لم يفلتوا من عدوى المسرح. فبين صفوف الإخوة المسلمون من وقف بخطاب لا يختلف عن خطابات بقية “فرسان الأحلام”، موجها رسالته إلى “ختيارة” او “شايب” في قرية تنتظر أن يعود ابنها بزيادة راتب بمجرد كلمة برلمانية، دون أن يخبرهما أحد أن الدستور لا يوزع زيادات بالطلبات الهاتفية ولا بالأغطية الدينية.

وسط هذا الضجيج، تبرز بارقة أمل غير متوقعة امام الجميع: فهناك حزب واحد، فقط واحد، قرر أن لا يلعب لعبة “الدنكوشوتية”. قدّم فيها رئيس الكتلة خطابا يستند إلى تحليل رقمي، وعرض تقديمي محترم، ومؤشرات اداء تقاس وأفكار يمكن البناء عليها فعليا. والأهم أنه لم يَعِد بما لا يملك، بل طرح مقترحات قابلة للعمل ابتداء من موازنة ٢٠٢٦ ليتم جني ثمارها في موازنة ٢٠٢٧—ولعلها أول مرة يشعر فيها المشاهد بأن تحت القبة من يتحدث بلغة المستقبل وليس لغة “من يوزّع مكافآت وهمية”.

يبقى السؤال: إذا استطاع حزب واحد أن يخرج من المسرحية، فمتى يلحق به الآخرون؟ مطالبا القارىء ليعيد البحث بعزم فيعرف المقصود.

وإلى ذلك الحين… سيبقى الهواء المعبأ بالوعود هو السلعة الأرخص في السوق، حتى إشعار دستوري آخر.

شاهد ايضا

Focus Mode