الدكتور نضال المجالي
هذا العام، تنكة الزيت ليست “غذاء” بل استثمارا. البعض بدء يفكر ان يخزنها كما يخزن الذهب -ان قدر على ثمن الغرام الواحد منه-، يخطط ان يخبها في زوايا البيوت لا خوفا من التلف، بل انتظارا للغلاء. كأننا في بورصة عمان – التي تحلق بامتياز هذه الفترة- لا في موسم الزيتون!
موسم هذا العام لم يكن مباركا إلا على قلة فهموا اللعبة مبكرا: إنتاج متراجع، أسعار مؤشرات انها تحلق بلا سقف، وحكومة تراقب المشهد كما تراقب الغيوم التي لا تمطر. أما المزارع، فبين فأس مثقوبة وجيب فارغ، يسقي شجره بعرقه حرفيا — إن وجد ماء.
الزراعة “البعلية” التي كانت فخر قرى الاردن اختفت تقريبا، بعدما غاب المطر وغابت السياسات التي تحميها. ومن أراد أن يعوض النقص، راح يروي من آبار جوفية مخالفة… يطعم الزيتون من ماء مسروق، لأن الحكومة نسيت ان توجه وتلزم أن يزرع البديل ونسيت أن ترويه بالحلول، لا بالتصاريح.
أما في السوق، فالمشهد أقرب إلى مسرحية: عبوات فاخرة بأسعار فاضحة، ونصائح حكومية بضرورة “شراء المحلي” بينما المحلي نفسه يئن من كلفة الإنتاج والضرائب. وإذا تجرأت وسألت: لماذا جيراننا يبيعون اللتر بثمن الخبز ونحن نبيعه بثمن وجبة فاخرة؟ سيقال لك: “هيك السوق” — وكأن السوق كائن مقدس لا يناقش ولا يراقب ولا يحاسب.
لكن الزيت لا يعصر من حجج، بل من عمل حقيقي. والحلول ليست سرا او تحتاج لفك سحر ربطها:
• دعم المزارع مباشرة لا عبر الوسطاء الذين يجنون الزيت دون أن يلمسوا التراب.
• تشديد الرقابة على التخزين والاحتكار والغش بدل الاكتفاء بالبيانات الموسمية.
• إحياء الزراعة البعلية بسياسات مائية ذكية تحمي التنوع وتقلل الاعتماد على الآبار الجوفية – ووزير البيئة الحالي متميز وقادر على تقديم افكار وفتح ورش علمية متخصصة بالشراكة مع وزير الزراعة الأكاديمي والعلمي المتخصص بامتياز .
• تحفيز الاستثمار في التصنيع والتسويق المحلي لتتحول “تنكة الزيت” من عبء إلى مصدر فخر وطني.
إلى أن يحدث ذلك، سيبقى المشهد كما هو:
مزارع يروي من بئر يعاقبونه عليها، وتاجر يحتكر فيغنون له، وحكومة تسأل عن سعر التنكة متأخرة.
فيا ايها المواطنين ، إن وجدتم “تنكة زيت أصلية” هذا الموسم… احتفظوا بها جيدا، فربما تكون أول بند في خطة التقاعد القادمة بعد إعلان نتائج الدراسة الاكتوارية!