بعد تعافي الملايين من أمراض مثل “كوفيد-19” والإنفلونزا والحمى الغدية، يجدون أنفسهم عالقين في دوامة من الأعراض المستمرة التي تحول حياتهم إلى جحيم.
وتشمل هذه الأعراض التعب المزمن، وضبابية الدماغ، وعدم تحمل التمارين الرياضية، والدوار، وآلام العضلات أو المفاصل، ومشاكل الأمعاء. وتتفاقم العديد من هذه الأعراض بعد التمرين. وهذه الظاهرة طبيا باسم التهاب الدماغ والنخاع العضلي، أو متلازمة التعب المزمن (ME/CFS).
وعلى الرغم من أن هذه الحالة ليست جديدة في عالم الطب، لكنها حظيت باهتمام غير مسبوق بعد الجائحة. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 400 مليون شخص عانوا من متلازمة التعب المزمن منذ بداية الوباء، حيث يعاني نصف المصابين بـ”كوفيد طويل اﻷمد” من أعراض تتوافق تماما مع معايير تشخيص هذه المتلازمة.
والآن، يقترب العلماء من فك هذا اللغز الطبي المعقد من خلال نظرية “خلايا الزومبي” التي تقدم تفسير جديدا لهذه الحالات.
ووفقا لأحدث الأبحاث، تتعرض الخلايا البطانية المبطنة للأوعية الدموية لشيخوخة مبكرة بعد العدوى، لتدخل في حالة شبه موت تمنعها من أداء وظائفها الطبيعية، بينما تظل نشطة أيضيا.
وهذه الخلايا “الشبحية” تطلق سلسلة من التفاعلات الالتهابية وعوامل التخثر التي تؤدي إلى ضبابية الدماغ، التعب الشديد، وعدم تحمل المجهود.
وتكمن المشكلة في أن الجهاز المناعي، الذي يفترض به التخلص من هذه الخلايا المعطلة، يعاني هو الآخر من خلل وظيفي في هذه الحالات. وتصبح الخلايا القاتلة الطبيعية والبلاعم – وهي عناصر أساسية في منظومة الدفاع عن الجسم – بطيئة وغير فعالة، ما يسمح لـ”خلايا الزومبي” بالبقاء وإدامة الحلقة المفرغة من الالتهاب المزمن واختلال الوظائف الحيوية.
وفي مواجهة هذا التحدي الصحي الكبير، تتسارع الجهود البحثية على عدة جبهات. وتجري حاليا تجارب سريرية في الولايات المتحدة لدراسة ظاهرة الشيخوخة الخلوية في مرضى “كوفيد طويل اﻷمد”، بينما تعمل فرق بحثية أخرى على تطوير تقنيات تصوير متطورة تسمح برصد هذه الخلايا الشائخة داخل الجسم الحي دون الحاجة لخزعات جراحية. كما يجري اختبار تأثير بلازما المرضى على الخلايا السليمة في المختبر لمحاكاة عملية التحول إلى “زومبي”.
وتهدف هذه الجهود البحثية المتكاملة إلى تحقيق اختراق علمي قد يغير حياة الملايين، حيث يمكن أن تؤدي إلى تطوير علاجات مستهدفة قادرة على تنظيف الأوعية الدموية من هذه الخلايا المعطلة واستعادة التوازن الوظيفي للجسم.
وبينما ما يزال الطريق طويلا أمام التوصل لعلاج نهائي، فإن هذه التطورات تبعث الأمل في إمكانية فهم أفضل وأعمق لأحد أكثر الألغاز الطبية إثارة للحيرة في عصرنا الحديث.
المصدر: إندبندنت