الصالونات السياسية .. “بيحكوا مع حالهم”!

بقلم : الدكتور نضال المجالي

في حياة الأردنيين يشغل “الصالون” الاهتمام والمساحة الأكبر عند التفكير ببناء او شراء منزل جديد، حتى انه يشغل ما يزيد عن ثلث مساحة اي شقة عند الاختيار، وينفق الأردنيون مبالغ كبيرة في تجهيز وتأثيث والاهتمام بتفاصيل الديكور لصالوناتهم، في وقت يؤكد الجميع انه الحيز الاقل استخداما ضمن مرافق المنزل ولا يتجاوز كونه ديكورا في ثقافتنا، يعبر عن الرقي او كرم الضيافة والاستقبال، او الاشارة إلى مكانة بين المجتمع في احاديث جانبية عن فخامة منزل الشخص وليس منزلته غالبا.

بين واقع صالون المنزل والصالون السياسي الأردني تشابه كبير في المساحة والديكور ومواضيع النقاش ونتائج الاحاديث لدى فئة واسعة، فأصبحنا نشهد ثقافة انتشارها وتكرارها ونماذج وغايات متعدد في بنائها، ولكن دون محتوى جوهري او اثر على الاسرة او المجتمع، ويعود الامر لاسباب عدة ابرزها: ان شخوص من انشاء اغلب الصالونات السياسية الحديثة هم من رجال العمل العام الذين انتهت فترة عملهم، فضعف تأثيرهم فذهبوا للقاءات مع ذات الشخوص الاكثر قربا في جلسات اشبه ما تكون مغلقة في نوع الضيوف، حتى اصبح نقاشهم مغلق واقل استخداماً واهمية، ومنهم من كانت لقاءاته وحديثه في محاولة اعادة مكانة ومساحة في اي شاغر وظيفي بيروقراطي، فكان تركيز صالونه السياسي حديثا مكررا في عناوين الإصلاح دون مقترحات وحلول، ظنا منه انه يملك منفردا المعادلة السحرية لذلك الاصلاح ولن يتحقق إلا بوجوده، ومنهم من كان صالونه السياسي منبتا للشائعات بين تعديل وتغيير وطعن في انجاز وشخوص وبث للفتن، وفي كل ما سبق ما يؤكد ان حديثهم كان مع “حالهم” وليس ما يحتاجه الجمهور العريض من المجتمع.

صالون اليوم بعيد كل البعد عن صالون الأمس والذي كان مجلسا فيه قادة المجتمع ذوي حكمة وثقة و “مونه” على اقرانهم ومجتمعهم، وكانت جميعها تبث الحكمة ووحدة الصف، وحتى انها ارتقت كثيرا لتكون مجلس قضاء ينهي ازمة وخلاف ويوجه لتحسين وإصلاح، ولم يكن قادتها يوما هم من نصبوا انفسهم او موظفين لدى اي جهة، بل اختارهم المجتمع وقدموهم، ومنهم كثير ان لم يكن اغلبهم قد توفاه الله وارثه لم يكن مالا بل سمعة حسنة وطيب معشر ومرجعية مجتمعية حتى لمؤسسات رسمية وأمنية، وهي الصالونات التي نفتقدها مع علمي ان”لكل زمان دولة ورجال”، ولهذا ارى ان افضل القرارات حل وانهاء ومغادرة تلك الصالونات السياسية التي لا تسمن ولا تغني من جوع والعودة لتعزيز مكانة وثقل ووعي الاحزاب الوطنية في الساحة الاردنية.

ما السبب وما الدور المطلوب؟ قد يكون ضعف وضوح ونجاح الدور والثقافة الحزبية في استقطاب وإنشاء حوارات اكثر جدية وبرامجية او غياب النماذج السياسية ذات القوة والوزن والتأثير عن انظمامها لتلك الاحزاب سبب نشوء تلك الصالونات، وخصوصا من كانوا يوما هم من صاغوا شكل وقانون التجربة الحزبية الحديثة ولم نجد اسمائهم في اي قائمة من اعضائها، مما أتاح تشكل بعضها على اساس فردي مناطقي لتغذية مصالح شخصية فعجل السقوط والمغادرة لقياداتها، فضعف الحزب بعدها وكأنه حزب الشخص الواحد، فأنشأ من سقط منصة او صالونا سياسيا يتحدث فيه مع نفسه، وغيرها تشكل على اساس ثقل تمثيل وادعاء انه الحزب الاول والوحيد، متناسيا ان النتائج والتمثيل الدستوري هو من يحدد، فكان لا يتجاوز “جمعة اصدقاء ومسؤولين قدماء” من اصحاب صالون واحد من كبار المتقاعدين، فتغير فقط المسمى من صالون إلى حزب سياسي، وغيره عدد ليس بقليل أُنشأ على اساس فكري حزبي لم يقدم غير شعارات فطعن أفراده بعضهم البعض في جلساتهم وخارجها، ليُنشأ ايضا كل “عرنوس” من قياداته صالونه الخاص، وان كان هناك بارقة امل فهي في حزب يضمن تشكيل كافة قياداته وقواعده من الطبقة الوسطى الاوسع انتشارا والتي تملك برنامجا واحد اساسه التنمية والعدالة الاجتماعية، لدرجة ان حضور اي اجتماع من لقاءاته لا يمكنك تعداد اسماء مكررة بين حضورها من قيادات مجتمعية او رسمية تقليدية سابقة تتجاوز اصابع اليد، عندها يمكن ان يكون بديلا لصالونات سياسية لا حاجة لها فهو تمثيل لكافة مكونات المجتمع والاطراف، وان كان هناك من يبحث عن مثل ذلك فسيجد بين الاحزاب الاردنية مثالا ناجحا يسير بعزم وثقة.

ولنعلم جميعا ان التنافس والتناحر الذي نعيشه في الخطاب ومدى الافتخار وتشتت الجهود والتناحر السياسي لمنصب دون تفعيل البرامج الحقيقية للإصلاح في المجتمع والسياسة والاقتصاد سيعود بنا إلى المربع الاول الذي ظننا اننا غادرناه سابقا، واخطر ما في هذا المربع الفرقة وفرصة تربع فئة حزبية واحدة تعمل على غزو مشاعر المجتمع، قاعدتها وقواعدها ينخرها الفساد والسعي لخراب البلاد والعباد، وهم من يخاطب الجمهور وكأنهم حاكم باسم الله في الارض، ناقلين المرحلة من عمق الديمقراطية الي غرس سياسة “الثيوقراطية” ظناً منهم انهم الخلفاء في الارض!! فيزيد الانشقاق وتغيب عندها كل أدوات الإصلاح وتعم الفوضى لتغذي اهدافهم الهدامة لا سمح الله، فلنعجل الوعي والصحوة ولنجعل حديثنا من الجميع وليس فئات ومساحات محددة ولتكن أدواته احزاب وطن تعي اهمية حماية وصون مصالح الوطن فقط.

Related posts

تهم “دعم الإرهاب” لتهجير الفلسطينيين

السياحة اللبنانية تعود للواجهة بعد انقطاع طويل

الأردن؛ وطن لا وظيفة