حكم البشر باسم الإله

بقلم : ابراهيم ناصر

في الوقت الذي يجب أن يكون مصطلح “الحركة الإسلامية” رمزية تمثل نشاط المسلمين في قضايا الدعوة ونشر صورة الرسالة السمحة وقيم الإسلام العظيمة وتكسير عصا التطرف، صار مصطلح “الحركة الإسلامية” تيارًا سياسيًا. علينا أن نعي خطورة ارتباط الإسلام في جهة منفردة، إن برزت برز فيها الإسلام وإن قضت قضي معها الإسلام “لا قدر الله”. نحن مسلمون قبل الجماعة وبعدها إن شاء الله. وإن الإسلام أسما من أن يُدج في زوبعات سياسية، تساق بالأهواء التي تتغير مع كل منعطف.

إن الإسلام لا يمكن أن يختزل في جماعة أو حزب أو توجه سياسي؛ هو أوسع من ذلك بكثير. للأسف، في بعض الأحيان، يُجعل الدين أداة لتبرير السياسة، مما يحرفه عن رسالته الحقيقية. الدين يجب أن يكون مرشدًا للبشرية في جميع مجالات حياتهم، في العلاقات، في الأخلاق، وفي مفهوم العدالة، بعيدًا عن الانتماءات الحزبية أو التكتلات السياسية. لذلك، فإن فهمنا للإسلام يجب أن يكون شاملًا وعميقًا، بعيدًا عن النظرة الضيقة التي تسعى لدمجه في معركة سياسية ضيقة الأفق.

الحكومة تتحمل أثر غياب الحاضنة، أين رموز الدين الإسلامي في الأردن اليوم؟ الناشطون منهم مرايا تعكس توجهات سياسية، حديثهم في الدين سطور وفي السياسة المحلية والخارجية مجلدات، وهم بين تكفير حاكم وحكومات عربية وتأييد أخرى، بين رفع مقام هنا وسخط مقام هناك، مستغلين منابرهم وقاعات محاضراتهم الجامعية وأثير اذاعاتهم في فرض اراء رمادية وآجندات سوداء. “جميعهم سيد قطب ولا فيهم الشعراوي” في كثير من الأحيان، أصبح الدين جزءًا من معركة أيديولوجية عميقة بين التيارات المختلفة، حتى كاد يختلط الأمر على العامة بين ما هو ديني وما هو سياسي وبين الملتزم وعضو الجماعة والتيار وبين ابناء المساجد وابناء التنظيم وبين طلاب الشريعة الاسلامية واعضاء كتل الاتجاه الاسلامي في الجامعات.

لكن لا يجب أن نغفل عن أهمية الحفاظ على الدين في مكانته السامية في المجتمع، بحيث يبقى رمزًا لوحدة الأمة، ومصدرًا للقيم العليا التي تحكم سلوك الأفراد في شتى جوانب حياتهم. لا ينبغي أن يُختزل الإسلام في صراع سياسي أو يُستغل في تحقيق أجندات حزبية. الدين لا يملك أجندات سياسية، بل يسعى لتحقيق العدالة والمساواة بين الناس. ولذلك، يجب أن يتم التعامل مع الإسلام كمرجعية روحية وأخلاقية، لا كأداة لتمرير السياسات أو تبرير التحركات السياسية.

اليوم نحن بحاجة لرمزية إسلامية أردنية يلتف حولها شبابنا. رمزية لا من الصقور ولا من الحمائم، ولا من أي طامح أو طامع بسلطة أو حكم. فالدين لله والوطن للجميع. وهذا ما يجب أن يكون: رمزية دينية جامعة، تركز على القيم الروحية والأخلاقية، بعيدًا عن التجاذبات السياسية. رمزية نموذجًا للوسطية والاعتدال بعيدة عن العبدلي وعن ساحات وسط البلد ظهيرة الجمعة او الرابية ليلة الجمعة. رمزية مستقلة تحظى بتأييد كافة الفروع مدعومة شعبياً ورسمياً، رمزية تحترم عقل المواطن وتعي أهمية أمن الوطن، رمزية ظاهرة فاعلة حاضرة دائماً.

وفي الوقت نفسه، ينبغي أن نتجنب الانجرار وراء أي فكر يفرّق ولا يجمع، أو يدعو إلى التفوق على الآخرين باسم الدين. من المهم أن نتمسك برؤية إسلامية شاملة وعميقة تركز على التفاهم والعدالة والتعايش، بعيدًا عن الانغلاق أو التحجيم لأي فئة.

إن الحاضنة الدينية يجب أن تكون صادقة في توجيهها، وأن لا تكون مجرد واجهة سياسية تختبئ وراءها مصالح ضيقة في ثوب الأحلام والطموحات. وبدلاً من محاولة “استنساخ” جماعة أو تيار آخر أقرب إلى الدولة من الجماعة الأولى، ينبغي أن نركز على بناء مجتمع تكون فيه مرجعية الدين مستقلة، لا تختزل في انقسامات حزبية أو سياسية. في هذا السياق، لا يمكن تجاهل دور الدولة في رعاية هذه الحاضنة الإسلامية، وضمان أن تكون مرجعية الدين حاضرة في شتى مناحي الحياة ومستمرة وفاعلة دائماً لا في ذكريات الاسراء والمعراج او المولد النبوي فقط وحتماً دون أن تنغمس في صراعات سياسية.

في النهاية، إن التحدي الأكبر هو حماية صورة الإسلام والحفاظ على مرجعيته في المجتمع التي هي أولوية أساسية يجب أن تبقى حاضرة كأداة للبناء والتوجيه نحو الخير. فلا ينبغي أن نسمح لأي تيار سياسي أو جماعة بأن تحتكر مرجعية الإسلام لأهداف سياسية. الإسلام أسمى من أن يُختزل في تنافسات حزبية تُستخدم كأداة لتحقيق مكاسب سياسية ولا ينبغي أن يُحشر في الزويا الضيقة لصراعات القوى السياسية. بل يجب أن يبقى دعوة للسلام، والعدالة، والمساواة، والتعايش، في عالم يسوده الفهم الصحيح لديننا الحنيف تماماً كما كان في رسالة عمان.

 

Related posts

تهم “دعم الإرهاب” لتهجير الفلسطينيين

السياحة اللبنانية تعود للواجهة بعد انقطاع طويل

الأردن؛ وطن لا وظيفة