“النوم المتقطع”.. حينما يتحول الليل لساحة معركة ذهنية

عصبية، قلق، وتقلبات مزاجية؛ هذا هو الحال الذي تعيشه مي (28 عاما) بسبب معاناتها من النوم المتقطع وغير المستقر. مواقف صعبة تمر بها يوميا، تسرق منها إحساس الراحة وتلقي بظلالها على حياتها، حتى بدأت تؤثر سلبا على حالتها النفسية وعلاقاتها الشخصية والاجتماعية، وأيضا في بيئة العمل.

تجد مي نفسها عالقة في دوامة من المشكلات اليومية التي لا تنتهي، إذ تستسلم للتعب الناتج عن قلة النوم، ما دفعها إلى الانعزال، وأيضا قطع بعض العلاقات، وتجنب الحديث مع الآخرين لشعورها الدائم بالانزعاج والتوتر والقلق.
في الليل، تتزاحم الأفكار في رأسها، فتجد نفسها عاجزة عن الاستسلام للنوم. وإن غلبها النعاس، يكون ذلك بعد معاناة مرهقة تستنزفها نفسيا وجسديا. وفي النهار، تتحول إلى شخصية غير متزنة، تفضل العزلة لأنها لا تملك الطاقة لمجاراة الآخرين أو التحدث معهم.
النوم ليس رفاهية، بل حاجة أساسية للحفاظ على صحة الجسم والعقل معا. ويمكن أن تتأثر حياة الأفراد بشكل كبير نتيجة التغيرات التي تطرأ على نمط النوم وجودته.
يعد النوم المتقطع أحد أبرز هذه التغيرات، وهو حالة يعاني فيها الشخص من استيقاظ متكرر أثناء الليل، مما يحرمه من الحصول على قسط كاف من النوم العميق.
هذه المشكلة شائعة بين مختلف الفئات العمرية، حيث تؤثر سلبا على الصحة العامة، مسببة التعب وضعف التركيز خلال النهار، إلى جانب آثار نفسية وجسدية أخرى قد تعيق القدرة على إنجاز المهام اليومية بقدرة وكفاءة.
وتشير الدراسات والأبحاث إلى أن النوم المتقطع يترك آثارا سلبية على الصحة الجسدية والنفسية فيؤدي إلى التعب والإرهاق، وقلة التركيز خلال النهار وضعف المناعة وانخفاض الأداء العقلي، مما يؤثر على مستوى الدراسة أو العمل وزيادة خطر الإصابة بالسمنة وسكري وأمراض القلب على المدى الطويل ومن الناحية النفسية يتسبب النوم المتقطع في التقلبات المزاجية مثل القلق والاكتئاب والميل للوحدة.
ويواجه علي (32 عاما) المعاناة ذاتها فهو أيضا يعاني من مشكلة النوم المتقطع بين الحين والآخر بسبب ضغوطات الحياة، إذ يجد صعوبة كبيرة في تنظيم نومه وخاصة أنه يضطر أن يعمل لساعات متأخرة من الليل.
ويقول: إن عدم حصوله على ساعات كافية من النوم يفقده الحماس نهارا ويبقيه في حالة من الكسل والإرهاق، إضافة إلى أنه يعجز عن إتمام أي مهمة فتظل الكثير من المواضيع معلقة ليس لديه الطاقة على إنهائها لدرجة أنه لا يستطيع اتخاذ أي قرار حاسم، وهذا ما يؤخره مهنيا، بل ويتسبب أحيانا في توقيف عمله لفترات طويلة.
ويؤكد الاستشاري النفسي الأسري الدكتور أحمد سريوي أن النوم ليس رفاهية، وليس مضيعة للوقت، كما يعتقد بعض الأشخاص، وإنما هو ضرورة ملحة للإنسان وعامل مهم للحياة الطبيعية.
وينصح دوماً بأن عدد ساعات النوم يتراوح ما بين 6-8 ساعات وتختلف من شخص لآخر، فاحتياجات الأجسام للنوم يوجد بها فروقات فردية.
بعض الأشخاص يعانون من صعوبة التعمق في النوم ويتلو ذلك تقطع بالنوم، وهناك قسم لا يعاني من صعوبة الدخول في النوم ولكن يعاني من تقطع النوم بعد الدخول فيه.
ينوه سريوي أن النوع الأول غالبا ما يندرج تحت ما يسمى باضطرابات النوم وهو مشكلة نفسية يعاني منها المريض من القلق والتوتر النفسي والخوف من عدم القدرة على النوم، بسبب أفكار وسواسية مسيطرة عليه واعتقادات سلبية وارتباطات شرطية حصلت معه مسبقاً عانى منها من أرق شديد لم تجعله قادرا على النوم ليوم أو يومين متتاليين، مما يولد لديه الخوف من عدم النوم، مما يجعل دخوله في النوم أمرا صعباً.
النوع الآخر يحتمل عدة أمور مختلفة منها؛ تغيير الساعة البيولوجية للإنسان، وذلك بسبب فرق التوقيت، مثل انتقال الشخص من دولة لدولة أخرى تحتوي فرق ساعات كبير يزيد عن 4 ساعات.
تغيير روتين الشخص، بمعنى تغيير توقيت النوم أو الصحوة المعتاد عليه، وهذا يتبع أيضا مفهوم تغيير الساعة البيولوجية والذي يحتاج من يومين إلى ثلاثة أيام حتى يبدأ الجسم بالتعود على النظام الجديد، وفق سريوي.
أيضا؛ البيئة المحيطة بالشخص، إذا كانت تحوي إزعاجا كبيرا أو هدوءا كبيرا، فحسب ما تعود الشخص على طريقة بالنوم قد يكون لذلك أثر مباشر في تقطع النوم، الكوابيس المزعجة والتي تفزع الشخص من نومه ويكون من الصعوبة العودة للنوم مرة أخرى.
كذلك، يبين سرسوي أن الأكل قبل النوم مباشرة يسبب ارتجاع مريئي وشعور بالاختناق ويجعله يفزع من النوم، وانقطاع النفس أثناء النوم بسبب زيادة الوزن والشخير، وهناك أسباب أخرى أيضاً لا يتسع المجال لشرحها.
كما ويؤثر هذا الأمر على سير حياة الشخص بعدد من الأمور المهمة أذكر منها مثل الإرهاق والتعب على مدار اليوم التالي، قلة التركيز الذي يؤدي إلى ضعف الذاكرة المؤقت للشخص والتأثير على قدرته على أداء مهامه الوظيفية بالشكل الأمثل، أيضا العصبية والانفعال على أقل الأمور.
ويحدث الصداع لبعض الأشخاص وهو ما يسمى بالطب النفسي؛ اضطراب تبدد الواقع أو اضطراب تبدد الشخصية، وهو الشعور بالانفصال عن الواقع أو كأنه في حلم ولم يصح منه، مع الإحساس بالتوتر والقلق النفسي والشعور بالاكتئاب.
ووفق سريوي، لحل هذه المشكلة هناك عدد من الأمور التي يمكن فعلها، تهيئة أجواء النوم بغرفة معتمة وهادئة، تهيئة درجة حرارة الغرفة بحيث تكون معتدلة، علاج المشاكل الصحية التي تؤدي لتقطع النوم مثل ضبط السكري والضغط وغيرهما، تنزيل الوزن وحل مشكلة الشخير لدى طبيب مختص، كذلك مراجعة العيادة النفسية لحل المشاكل النفسية المتعلقة بالخوف من النوم واضطراباته، الابتعاد عن الأكل قبل النوم مباشرة.
ويبين الاختصاصي الاجتماعي الأسري مفيد سرحان أن غالبية الأشخاص يقضون ما يقارب من ثلث وقتهم نائمين في الظروف العادية، وتتفاوت حاجة الإنسان لعدد ساعات النوم بحسب العمر والصحة وطبيعة العمل، وغالبا ما تقل الحاجة للنوم مع تقدم العمر.
والنوم يعطي الراحة لأجهزة الجسم المختلفة ويزيد من قدرتها على أداء وظائفها ومهامها بكفاءة عالية ويمنح الطاقة والنشاط للإنسان طوال اليوم.
ومن فوائده الكثيرة أنه يساهم في زيادة مناعة الجسم، ويقوي الذاكرة ويساعد على زيادة التركيز والقدرة على التفكير، وهو يساعد الإنسان بشكل عام على القيام بالأعمال والمهام المطلوبة منه.
ويبين سرحان أن هذا لا يعني أن يمضي الشخص معظم وقته نائما على حساب أعماله. فالمبالغة بالنوم هدرا للوقت وقد يؤدي إلى الكسل والخمول والتأثير السلبي على الصحة الجسدية والنفسية، فالاعتدال مطلوب في كل الأمور.
وقد يكون نفس الشخص بحاجة إلى فترات أكبر من النوم في بعض الظروف كالمرض مثلا، وأفضل النوم هو النوم الذي يستمر عدة ساعات متواصلة ولا يكون متقطعا وأن يستيقظ الشخص في الليلة الواحدة عدة مرات.
والنوم المتقطع -غير المتواصل- له أسباب متعددة منها: تغير مواعيد النوم المعتادة باستمرار، وعدم الالتزام بموعد محدد للنوم وكذلك تغير مكان النوم، والبعض يكثر من التفكير قبل النوم مما يسبب له القلق والتوتر.
وبحسب سرحان، مكان النوم يجب أن تتوفر فيه مواصفات منها البعد عن الضوضاء والإزعاج، ويجب أن يحرص الشخص على معالجة المسببات التي تؤدي إلى النوم المتقطع حرصا منه على التعامل مع هذه المشكلة التي قد يكون لها آثار سلبية كبيرة على الصحة الجسدية والنفسية والعمل بل والعلاقات الاجتماعية. فهذا النمط من النوم يزيد من التعب والإجهاد على مدار اليوم، وكذلك الشعور بالتوتر والانفعال والعصبية وسرعة الغضب وضعف التركيز وتعكر المزاج العام، وهي آثار لا يجب التقليل من أهميتها خصوصا مع استمرار حالة التقطع في النوم لفترة طويلة. ولعل من أهم خطوات التعامل مع هذه الحالة معرفة السبب الذي يؤدي إلى ذلك خصوصا إذا كان السبب صحي بحاجة إلى علاج عضوي.
وفي كل الأحوال فإنه من المفيد أن يحافظ الشخص على مواعيد محددة للنوم حيث يعتاد الجسم على هذه المواعيد. وأن يبتعد الشخص عن التعب والإجهاد الشديد لوقت طويل. وكذلك تجنب الأطعمة الدسمة قبل النوم وكذلك تناول المنبهات وهذه تختلف بطبيعتها من شخص إلى آخر. والتقليل من شرب السوائل قبل النوم. والاهتمام بالصحة بصورة عامة ومعالجة أي أعراض صحية أو أمراض قد يتعرض لها الإنسان.
ومن الأهمية بمكان، الابتعاد عن استخدام الهاتف بصورة متواصلة حتى اللحظات الأخيرة قبل النوم، وقد ينتظر شخص مكالمة هاتفية أو رسالة فيستمر في التفكير مع تفقد الهاتف باستمرار مما يؤثر على قدرته على الاستغراق في النوم.

Related posts

زينة للمرة الأولى مع هذا النجم في عمل من واقع الحياة

هنا الزاهد وأحمد حاتم يثيران الجدل بفيديو على “تيك توك”

ميريام فارس تستخدم الـAI بطريقة غريبة… شاهدوا ماذا فعلت