تتنوع شخصيات الموظفين في بيئة العمل، فلكل منهم طريقته في التقدم وحصد إعجاب المديرين وأصحاب العمل، ولا توجد خريطة واحدة تحكم مساراتهم واختلافهم في الأفكار والأسلوب والأهداف.
هناك شخصيات متفانية في عملها تجتهد بكل إمكاناتها من أجل أن يخرج العمل بأفضل صورة، مثل هذه الشخصيات تهتم بالجودة أكثر من أي شيء آخر وتحرص على أن تأخذ فرصتها بالنجاح والترقية بناء على ما تقدمه من جهد وتطور مستمر ومرونة.
وهناك موظف يعتمد في نجاحه وتحصيل الامتيازات على شبكة من المعارف من المسؤولين والمديرين، فهم بالنسبة له الدعم والقوة والنفوذ، كل ما يعنيه إحاطة نفسه بالأشخاص المهمين وأن يكون تحت الضوء من خلال علاقاته.
أما النوع الأخير، فالسياسة التي يتبعها هي تقديم القليل من الجهد والخبرة حتى لا يقع في الأخطاء ويصبح مضطرا لبذل المزيد من الوقت والطاقة، إضافة إلى أنه يركز بشكل كبير على تكوين العلاقات وحماية نفسه. ويبقى السؤال هنا من الموظف الأكثر نجاحا؟
بدوره، يبين مدرب الإدارة والتطوير الذاتي محمد تملي، أن النجاح الوظيفي يحتاج إلى الموازنة بين جودة العمل والتفاني وتطور الخبرات وبين العلاقات الصحية الخالية من النفاق والزيف، وهذا تماما ما يصنع موظفا ملتزما وجادا يحظى باحترام الجميع وثقتهم.
أما الموظف الذي يركز على جانب دون الآخر، فهو بالنهاية سيخسر ولن يصل إلى مكان، والسبب أن من يركز فقط على العلاقات، مثلا، قد يصل إلى تطور وظيفي ويصل إلى مناصب معينة ويحقق هدفه ظاهريا، لكن هذا كله ينتهي بمجرد توليه المهام على أرض الواقع من دون أن تكون لديه الخبرة ومن دون أن يمر بتجارب ومواقف تصقل شخصيته المهنية وترفع من كفاءته، وبالتالي يظهر ضعفه ويتم الاستغناء عنه بالتأكيد.
وأيضا، يذهب تملي إلى أن من يركز على جودة العمل فقط لن يحقق أي إنجاز وسيظل في قوقعته، فالنجاح الحقيقي مهنيا يكون بالاهتمام بثلاثة جوانب وهي؛ الإنجاز المهني ويشمل تطور الخبرات أولا بأول، والتفاني والجدية والمرونة والمبادرة ووضع الأهداف والجودة والإنجاز على مستوى العلاقات، أي كيف تكون لديك علاقات مهنية ناجحة وقوية وبعيدة عن النفاق، وأخيرا الإنجاز المالي، وهذا الجانب تحديدا لا يتحقق إلا إذا عرف الموظف كيف يوازن بين مهنيته وعلاقاته.
وحتى ينجح الإنسان في تحقيق ذلك التوازن، عليه بالتدرب المستمر وبناء العلاقات وامتلاك أهداف واضحة، إضافة إلى استخدام بعض الأساليب المهنية والشخصية التي تمكنه من الوصول لمناصب مهمة ومميزة باجتهاده.
ويرى الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة، أن على الموظف في مكان عمله أن يجتهد ويؤدي عمله بجهد وبما لديه من مهارات وإمكانات، فالموظف المتفاني الحريص على جودة العمل وتقديمه على أكمل وجه هو من يستحق أن يكون مميزا وناجحا، وليس ذلك الذي يعتمد فقط على علاقاته لحماية نفسه لأنه في قرارة نفسه يعي تماما أنه مهنيا موظف ضعيف وليس لديه الإمكانات ليبرز استحقاقه للوظيفة.
ووفق مطارنة، فإن نجاح الموظف يأتي من قدرته على تحقيق التوازن بين المهنية في العمل وبناء العلاقات المنطقية والجادة والخالية من النفاق والكذب، لكن الأهم هو التركيز على تطوير المهارات وصقلها بكل جديد حتى لا يكون الموظف ضعيفا ومعرضا دائما للخطر بسبب العلاقات الهشة التي يبنيها حوله وتعويض النقص الموجود عنده بالمظاهر والشكليات غير الحقيقية.
ويلفت إلى أن الموظف المجتهد والمسؤول والواثق بإمكاناته، هو شخص يملك الهدف والمهارة الكافية، لذلك يؤمن بنفسه وبقدرته على التميز، لذلك هو لا يقدم أي تنازلات لكونه يعرف قيمة نفسه جيدا، فيجتهد بكل طاقته حتى لا يوجه له أي انتقاد أو انتقاص من حقه. أما الموظف المستهتر وغير المسؤول، فيعتمد على التسويف وتحميل عمله لغيره ويحمي نفسه بالدعم الخارجي كالعلاقات وليس من قوته الداخلية، هذا النوع من الموظفين يستخدم المظاهر كغطاء له لأنه يعرف جيدا مدى ضعفه، وهذا كله بالطبع يؤثر على بيئة العمل سلبا ويتسبب في تراجعها وفشلها.
وتوضح خبيرة علم الاجتماع فاديا إبراهيم، أن الموظف الناجح هو الذي يتفانى في عمله ولديه ولاء حقيقي لوظيفته، ويمتلك شغفا حقيقيا ومواقف إيجابية تجاه وظيفته أو عمله، ويلتزم بجميع الأمور المتعلقة بمتطلبات الوظيفة، لديه المرونة والاستعداد الدائم للتدريب والتطوير في مهاراته من أجل اكتساب الخبرة وتحقيق الأهداف المرجوة من عمله، والثقة بالقدرات الوظيفية الذاتية شيء مهم لإدارة المهام وإقناع المديرين وزملاء العمل. وهذه هي النقطة الأساسية لنجاح أي موظف، فصحيح أن الذكاء الاجتماعي ومهارات التواصل والإقناع مهمة وضرورية لإكساب الموظف نجاحات من خلال رسم خريطة موقعه في الوظيفة وبين زملائه، إلا أنها غير كافية من دون وجود قدرات وظيفية وإنجازات حقيقية، فقد ينجح بعض الأشخاص بسبب علاقاتهم والامتيازات التي يأخذونها نتيجة الدعم والمساندة من بعض المديرين والمسؤولين، إلا أن هذه النجاحات لن تستمر لأنها غير مبنية على قواعد وظيفية سليمة.
ووفق إبراهيم، فإن النزاهة في العمل هي الطريق الصحيح لأي موظف، والإخلاص والتفاني في العمل من الصفات التي تجعل الموظف مثاليا، وبذل الجهد في العمل يشعر الموظف دائماً بالانتماء تجاه شركته. المسؤولية، كذلك، من الصفات التي يجب توافرها في الموظف المثالي، ويعني هذا أن يتحمل مهام عمله، وإذا أخطأ عليه تحمل عواقب أخطائه من دون لوم الآخرين أو إلصاق الخطأ بزملائه في فريق العمل.
الإيجابية في العمل، أيضاً، من الصفات التي يبحث عنها جميع المديرين في نخب الموظفين لديهم، والموظف الناجح هو من يكون قادرا على إحداث فارق بين زملائه وعلى اتخاذ القرارات الصائبة، خاصة وقت الأزمات. والعمل الجماعي جداً مهم، فهو صفة رائعة يجب أن يتمتع بها كل موظف. ومن صفات الشخص الذي لديه مهارات العمل الجماعي أن يتعاون مع الآخرين، ويدعم ويحترم الجميع، وألا يكون انتهازيا أو وصوليا أو متسلقا أو أن يحاول استغلال المصالح والعلاقات الشخصية والواسطة والمحسوبية من أجل أن يثبت وجوده في الوظيفة أو يضمن الاستمرار الوظيفي أو بعض الامتيازات الوظيفية على حساب زملائه.