زعم لاعب كرة القدم الإنجليزي المعتزل، جوي بارتون، أنّ نجم نادي إنتر ميامي، ليونيل ميسي، مُعدّل وراثيًا عبر تحسين جيناته، مما يفسّر سبب سرعته وبراعته الفائقة في المراوغات.
وقال في بوكاست (كومون سانس) إن “هناك علامات استفهام كبيرة حول ميسي، لأنّهُ تعاطى هرمونات النمو بغزارة، ولو لم يُحقن بها في صغره ما كان ليصبح ميسي الذي نعرفه”.
بارتون دعا الصحافة إلى وضع علامة “أستيريسك بجانب اسم ميسي” وهي علامة على شكل نجمة صغيرة، توضع بجانب أسماء الرياضيين المشكوك في نزاهتهم أو الذين تم إدانتهم بالفعل.
ويعد ميسي أعظم لاعب كرة قدم مُعاصر في الوقت الحالي، فقد سجّل ما يربو على 700 هدف وقدّم أكثر من 350 تمريرة حاسمة، كما حصد جائزة أفضل لاعب في العالم 8 مرّات، ورفع عشرات الكؤوس والألقاب مع الأندية المختلفة، فضلًا عن إنجازه الأهم وهو الفوز بكأس العالم 2022 مع الأرجنتين.
أسطورية ميسي لم تنبثق فقط من أهدافه وألقابه، بل تعود في المقام الأول إلى براعته الفائقة في المراوغة والتدرجّ بالكرة والتمويه المخادع بجسده للمرور من الخصم، لكن هل فعلًا تعاطى ميسي هرمونات جعلت منه لاعبًا فذًّا كما زعم بارتون؟
ماذا تعاطى ميسي في برشلونة؟
عانى ميسي في طفولته من مرض نقص هرمون النمو الناتج عن خلل وظائف الغدة النخامية مما أدّى إلى تباطؤ نموه وضآلة حجمه قياسًا بأقرانه.
ففي عمر العاشرة مثلًا، لم يتعد طوله 1.20 سم بجسد نحيف هزيل للغاية، لذا احتاج إلى جلسات علاجية باهظة الثمن.
في سن 13، قُبل ميسي في اختبارات أكاديمية برشلونة، وتكفل النادي الإسباني بعلاجه الذي كان عبارة عن حقن بهرمون النمو، بتكلفة شهرية بقيمة 900 دولار، واستمر علاجه 3 سنوات متواصلة، إلى أن اكتمل نموه وأصبح جسده متوافقًا مع عمره، وهنا توقّف العلاج.
وحصل ميسي على استثناء تاريخي من الاتحاد الدولي(الفيفا) فهو أحد الرياضيين القلائل أو بالأحرى النادرين الذين سُمح لهم بهذا النوع من العلاج ولا يزالون يمارسون الرياضة، لأنه ببساطة محظور من كل الاتحاد الرياضية، لكن ولأن ميسي كان لا يزال طفلًا في مقتبل عمره فقد مُنح إعفاءً علاجيًا.
وكانت الحقن التي عولج بها ميسي في برشلونة عبارة عن إفرازات نمو صناعية تُحاكي الهرمون الطبيعي، وتعمل على نمو الجسد، عبر تعزيز الطاقة وزيادة كتلة العضلات وكثافة العظم.
ومن المفترض أن يتوقّف العلاج تمامًا عندما يصل الطفل إلى سن البلوغ، حتّى لا يؤتي نتائج عكسية.
هل ميسي مُصطنع؟
مع قدرته الفائقة على المراوغة، عكف أساتذة ومختصون في علوم الفيزياء على أبحاث لوضع تفسير علمي حيال براعة ميسي، وخلص بحث من جامعة “بيرا إنتريور” البرتغالية إلى أنّ جسد اللاعب يحظى فطريًا بالسرعة وقوة التحمل معًا، وهذه الخصائص ليست نتاج حقن هرمون النمو التي تلقّاها في برشلونة، وإنما هي خصائص طبيعية وُلد بها، وازدادت درجاتها بعد حقنه بالهرمونات.
وأشارت دراسة مماثلة من جامعة ليفربول إلى قوّة التحمّل الخرافية التي يتمتّع بها جسد ميسي.
وقالت إنّ الطريقة التي يراوغ بها اللاعب، بأنماط الحركة غير التقليدية مثل الركض للجانبين أو الدوران للوراء، مع التباطؤ والتسارع فجأة، تبدو مرهقة جدًا مقارنة بطرق المراوغة التقليدية لدى اللاعبين الآخرين.
ومع ذلك يفعلها ميسي بكل بساطة وأريحية دون علامات إجهاد واضحة، وربما هذا يفسّر قلة إصابات اللاعب عبر مسيرته، فجسده قوي بالفعل.
وإحدى النظريات التي روّج لها ليزلي صامويل، أستاذ في جامعة ستيرلينغ البريطانية، تقول إن ميسي يفكّر أسرع من الإنسان العادي بأجزاء من الثانية، مما يكسبه أسبقية في الفعل ورد الفعل، وبهذا يتفوّق في المواجهات الثنائية مع الخصم.
ويسبق التفكير بطبيعة الحال الحدث، فالإنسان يفكّر ثم ينفّذ، لذلك عندما يريد ميسي التوجّه بالكرة نحو اليسار مثلًا يرسل المخ إشارات كهربائية عبر الحبال الشوكية التي تمر بدورها وصولًا إلى أعصاب القدم، ثم تبدأ حركة القدم بالتوجّه نحو اليسار.
وهذه العملية التي تبدأ بالمخ وصولًا للتنفيذ الفعلي، وربما تستغرق 0.1 ثانية لدى الإنسان العادي، لكن لدى ميسي ربما تستغرق ربع تلك المدّة.
ميسي وبروس لي.. قدرات فوق المألوف
ثمة تشابهات محورية بين ميسي وبروس لي لاعب الفنون القتالية الراحل من هونغ كونغ، فكلاهما عانى من مرض جسدي في الطفولة وتغلّب عليه، وأصبح لاحقًا كل منهما أيقونة في مجاله، لكن ما يجمعهما حقًا هو السرعة غير الطبيعية.
ونظرًا إلى أنّ الإمكانات التكنولوجية لم تكن بالتطوّر الذي نعرفه اليوم، فقد أرهق بروس لي مخرجي الأفلام في الستينيات والسبعينيات، والسبب أن ركلاته كانت سريعة بطريقة جنونية، ولك أن تتخيل أنَّه كان بإمكانه توجيه 5 ضربات متتالية بقدمه في ثانية واحدة فقط. ومن هذا المنطلق، لجأ المخرجون إلى إبطاء حركة التصوير ليبدو المشهد بسرعة عادية للمُشاهد.
وتعد سرعة بروس لي الخارقة تجسيدا للقدرات البشرية فوق المألوفة، ومنها سرعة ميسي في المراوغة بكرة القدم.
عام 2013، قال أسطورة كرة القدم البرازيلي روماريو إنّ ميسي أصيب في طفولته بمتلازمة أسبيرغر -أحد أشكال التوحّد- مما ساعده على التركيز الذهني أكثر، ويُعتقد أن هذه المتلازمة أسهمت في بناء عقلية اللاعب، عطفًا على الإدراك الحسي السريع لمصابي أسبيرغر مقارنة بالأصحاء.
وهذا يقودنا إلى شخصية خارقة بالفعل على مستوى التحمّل البدني وسرعة التفكير.
ويمكن القول إن حقن الهرمونات كانت مجرّد علاج طبي بالنسبة لميسي، إذ ساعدت في تكوين جسده ونموه بطريقة مُثلى، ووضعته على أول درجة في سلم الاحتراف الحقيقي في كرة القدم.
وما بعد ذلك نتاج مهارات اللاعب الخاصة وتدريباته المستمرة، وبالتقريب فقد خضع ميسي لهذا العلاج 3 سنوات تقريبا، من عمر 13 إلى 16 سنة، أي أنّه لم يتلق هذه الهرمونات مطلقًا بعد أن صعد للفريق الأول لبرشلونة.
ووفقًا لمنصّات علمية، تقتصر وظائف حقن هرمون النمو على صقل الجسد من طول وعرض وعضلات وعظام، أي الشكل الخارجي، وليس لها أي تأثير على القدرات العقلية أو الذهنية كما يدعي البعض عن ميسي.
اكتشاف الموهبة
في كأس العالم للشباب 2003 بفنلندا، ودّع منتخب الأرجنتين المسابقة من نصف النهائي بالخسارة أمام إسبانيا (صفر-1) وكان المنتخبان يتشاركان نفس الفندق، وعندما التقى مدرب الأرجنتين هوغو توكالي بالإسباني سيسك فابريغاس في الردهة، وبخه اللاعب قائلًا “لقد خسرت لأنك لم تستدع اللاعب الأفضل”.
فابريغاس -لاعب برشلونة آنذاك- كان يتحدث عن زميله في أكاديمية لاماسيا ميسي، فما كان من المدرب توكالي إلا حفظ اسم ميسي في باله، ثم اجتمع مع مدرب الأرجنتين -حينها- مارسيلو بيلسا لمشاهدة مقاطع فيديو لميسي لتقييمه.
والمثير أنّ بيلسا طلب من توكالي ألا يُشغّل الفيديو بسرعة عالية، وقال “لماذا تُسرّع الفيديو”. وفي الحقيقة كانت سرعة الفيديو طبيعية، أمّا غير الطبيعي فكان مراوغات ميسي التي فعلها في لمح البصر إلى درجة اعتقاد بييلسا أن الفيديو تم تسريعه.