الرئيسية مقالاتماذا ينتظر لبنان؟

ماذا ينتظر لبنان؟

من admin3
A+A-
Reset

بقلم : أ.د. صلاح العبّادي

في مشهد يعكس اشتباك السياسة بالسيادة، سلّم لبنان ردّهِ الرسمي للمبعوث الأمريكي الخاص إلى لبنان توماس باراك بشأن الورقة الأميركية المتعلقة بسلاح حزب الله، واضعاً النقاش في إطار وطني، يوازن بين الواقعيّة السياسيّة ومتطلبات السيادة. وبينما وصف باراك الرد اللبناني بالمسؤول، مؤكداً أنّ الحزب مشكلة لبنانيّة بحتة، برزت معالم رؤيّة لبنانيّة تراهن على المعادلة التدريجيّة “خطوة بخطوة”، بين بسط سلطة الدولة والانسحاب الإسرائيلي.

فهل يفتح هذا المسار باباً جديداً نحو تسويّة شاملة، أم أنّه مجرد فصلٌ جديد في رواية طويلة من المراوحة؟.

المبعوث الأمريكي باراك يقول إنه ثمّة فرصة يجب انتهازها من قبل الجميع لإنهاء الصراع بين لبنان وإسرائيل. وعقب لقاء جمعه مع الرئيس اللبناني جوزف عون أكّد أنّه راضٍ عن ردّ لبنان على طلب واشنطن حول نزع سلاح حزب الله، جاء ضمن النطاق الذي تحاول الولايات المتحدة الأميركية الوصول إليه.

المبعوث الأمريكي باراك شدد على أنّ حزب الله هو مشكلة لبنانيّة بحته، داعياً اللبنانيين وحدهم التعامل معهم.

الرئيس عون سلمّ المبعوث أفكاراً لبنانيّة لحلٍ شامل، وقدّم فريق الرئيس اللبناني، للمبعوث ردّاً من سبع صفحات على المقترح الذي قدّم في التاسع عشر من حزيران الماضي. أوضح أنّ الرد اللبناني يركز على حصر السلاح بيد الدولة، وتطبيق اتفاق الطائف وتحقيق ما ورد في خطاب القسم والبيان الوزراي من وضع الدولة يدها على السلاح في كل لبنان، مع الاشتراط أن يحصل كل هذا تدرجاً على قاعدة “خطوة مقابل خطوة”، بحيث يتحقق كذلك الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلّة جنوباً، وإطلاق سراح الأسرى ووقف الاعتداءات.

أمّا رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام كشف أنّ المبعوث الأميركي طرح آليّة لوقف لتنفيذ وقف الأعمال العدائيّة، وأكّد في الوقت ذاته أنّ لا تهدئة حقيقية دون إنسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي اللبنانيّة.

سلام شدد على قرار إعلان السلم والحرب يبقى حصراً بيد الدولة.

لكن على ما يبدو حزب الله يواصل وضع عقبات أمام أي تحرك رسمي لبناني حول حصر السلاح، آخرها اعتراض الحزب على تحويل الرد اللبناني لإقراره بمجلس الوزراء.

رفض الحزب وضع خطّة زمنيّة لسحب السلاح خلال مهلة زمنية أقصاها عام، وربط الحزب تسليم سلاحه بضمانات بالانسحاب الإسرائيلي ووقف الاغتيالات وإطلاق مسار إعادة الإعمار.

تصريحات أمين عام حزب الله اللبناني نعيم قاسم التي استبقت زيارة المبعوث الأمريكي باراك، حملت لهجة تصعيديّة، أكّد فيها الاستعداد للحرب مجدداً مع إسرائيل وأنّ التهديدات لا تجعل حزب الله يستسلم.

تصعيد حزب الله لم يقتصر على رد الأمين العام، بل أقام الحزب عرضاً مسلحاً في قلب بيروت السبت الماضي، وهو الأمر الذي أثار استياء لبناني على مختلف المستويات السياسيّة في لبنان، كان أبرزها تصريح رئيس الحكومة بأنّ الاستعراضات المسلّحة مرفوضة وستواجه بإجراءات حازمة.

لهجة حزب الله الأخيرة تثير تكهنات بأن تبدأ موجة تصعيد جديدة قد تشهد اغتيالات إسرائيلية في صفوف الحزب.

فهل ما يحدث الآن ينذر بعودة الحرب إلى المربع الأول؟.

ماذا ينتظر لبنان في حال لم يبدّلُ حزب الله موقفه ولا حتى الحكومة ستغيّر موقفها؟ من سيتراجع؟ّ! ماذا عن دور واشنطن؟ وهل ننتظر أكثر لتلقي ردّ لبناني ولتلقي لبنان الرد على الورقة التي قدمتها بيروت؟.

قد تكون من المفارقات التاريخيّة وضبابيّة في الموقف الأميركي، هل ستقدم واشنطن مزيدا من الوقت؟ وهل ستسفيد بيروت وهل سيستفيد حزب الله من هذا التوقيت لإنجاز الحوار الداخلي أم أنّ مفاجآت قد يحملها الوقت الضائع عن عودة المبعوث؟!

رسالة المبعوث واضحة تتمثل بأنّ المنطقة تغيّرت، وأنّ على اللبنانيين أن يتفقوا للوصول نحو السلام. تصريحاتٍ تأتي وسط مشهدٍ ضبابي يتأرجح بين موقفٍ رسمي يتمسك في حصر السلاح بيد الدولة، وموقف حزب الله الرافض بتسليم السلاح ومهلة نزعه؟ فماذا ينتظر لبنان من خيارات مستقبليّة؟!

رغم أنّ باراك مهنته ليست دبلوماسيّة وكان يعمل في مجال العقارات وهو صديق الرئيس الأميريكي دونالد ترامب؛ إلا أنّ لغته التي استخدمها في المؤتمر الصحفي الذي عقده في بيروت الاثنين الماضي كانت تنم عن حرفيّة عاليّة في الدبلوماسية أثناء ما قاله، أو ردّه على أسئلة الصحفيين.

قبل زيارة المبعوث باراك لبيروت كان هناك اعتراضاً كبيراً من قبل حزب الله، اعتراض دفعه للضغط على حليفه الثنائي الشيعي نبيه بري رئيس البرلمان اللبناني، الذي بدوره نقل الاعتراضات للحكومة اللبنانيّة، الأمر الذي دفع اللجنة المكلّفة بكتابة الرد وهي ممثلة للرؤساء الثلاث بكتابة مسودة جديدة أرسلت إلى الجانب الأمريكي الذي رفضها، وهو ما دفع اللجنة إلى الاستمرار في عقد اجتماعها حتى صباح يوم الاثنين من أجلِ كتابة ردٍ جديد؛ لأنّ الرد السابق لم يشر إلى مسألة حصريّة السلاح بيد الدولة، ولا امتلاك الدولة لقرار إعلان الحرب والسلم، وهو ما دفع لإعادة صياغة الرد فجر الإثنين.

اجتماع المبعوث استمرّ لوقت طويل مع رئيس الجمهورية وهو ما يشير إلى نقاش مطول حول نقاط كثيرة، الأمر الذي اتضح من تغيير جدول اللقاءات المعد له مسبقاً وتأخيرها.

الأمين العام للحزب نعيم قاسم كان قد فجّر مفاجأة قُبيل وصول باراك؛ إذ قال إن المقاومة لا يمكن أن تستمر مضيفاً بأن “التهديدات لن تجعل حزب الله يستسلم وبأن حزب الله يستغرب مطالبته بتسليم الصواريخ” معتبراً إياها أساس قدرته الدفاعيّة.

هل تكون النار أقرب من التسوية في لبنان؟ المعطيات الاستخباراتية تشير إلى أنّ إسرائيل تتحضر للحسم في لبنان، فيما يتمسك حزب الله بموقفه الرافض لتقديم أي تنازلات تبعد عن لبنان شبح الحرب، وتلتقط آخر رصاصة دبلوماسيّة يطلقها المبعوث الأميركي بارات في زيارته إلى لبنان.

المفاوضات المتعلقة بسحب سلاح حزب الله شهدت تعقيدات سياسيّة وأمنيّة عميقة.

الورقة تؤكد حصر السلاح بيد الدولة وامتلاكها لقرار الحرب والسلم، مع مطالب واضحة بانسحاب إسرائيل ووقف الاعتداءات، في المقابل يظل حزب الله متمسكاً بسلاحه رافضاً أي جدول زمني لنزل السلاح دون ضمانات مسبقة، معتبراً صواريخه ركيزة دفاعية أساسيّة مما يعكس الانقسام الحاد بين الموقف الرسمي للدولة وموقف الحزب، ويزيد من صعوبة التوصل إلى حلٍ يرضي جميع الأطراف، مما يهدد بالعودة بالمشهد بين بيروت وتل أبيب إلى المربع الصفر.

وأمام مشهدٍ حدث في قلب بيروت يوم إحياء ذكرى عاشوراء؛ والذي تمثل بإقامة الحزب عرضه المسلّح في العاصمة اللبنانيّة، يفتح جرح السؤال مجدداً؛ لمن هذا السلاح سلاح حزب الله؟ وعلى من يشهر ويتم استعراضه حقيقةً؟!

هذا العرض أثار موجة انتقادات، وجاءت أقوى ردود الفعل من رئيس الوزراء سلام، الذي شدد في منشور له عبر منصة “إكس”، السبت، على أنّ مثل هذه الاستعراضات “غير مقبولة بأي شكلٍ من الأشكال وتحت أي مبرر كان”.

منطقة زقاق البلاط في بيروت، التي شهدت العرض العسكري، لا يفصلها عن مقر الحكومة سوى مئات الأمتار، شارك فيه عدد كبير من “مقاتلي حزب الله”، الذين جابوا الشوارع، وهم يلوحون في الهواء بأسلحة رشاشة، مرددين هتافات بينها “لبيك حزب الله”.

الانقسام في العمق بين من يرى في الورقة الأميريكية فرصة أخيرة للدولة، و من يعتبرها مشروع استسلامٍ مقنّع لتجريد ما يسمى المقاومة بقوة الردع الوحيدة؟!

ولكن أي ردعٍ بقي حقيقةً في وقت تتسع فيه دائرة الاغتيالات الجويّة الاسرائيليّة وباتت حتى على مشارف بيروت؟!

لكن في النهاية ما الذي يعني قبول حصرية السلاح بيد الدولة إذا كان النقاش في السلاح مؤجلاً إلى أجلٍ غير مسمى؟!.

شاهد ايضا

خبر جديد عن أفاق للاعلام

الاكثر قراءة هذا الاسبوع

الاكثر قراءة هذا في 24 ساعة

الاحدث