الرئيسية مقالاتالعبادي يكتب .. إدانات دون أنياب

العبادي يكتب .. إدانات دون أنياب

من mk
A+A-
Reset

بقلم : أ.د.صلاح العبّادي

غزّة بين مفترق مصيري؛ ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو أيضًا بين نيران غزّة وعواصف السياسية.
في تل أبيب نتنياهو يدفع بخطّة احتلال القطاع إلى الأمام واثقًا بأنّ عمليته العسكريّة ستحقق أهدافها، ويصفها بأنّها الطريق الأمثل لإنهاء الحرب.
حماس ترد بوصف تصريحاته بأنّها مجرد أكاذيب ووتهمه بتبرأة جيشه من جرائم الإبادة والتجويع، لكنّ الخطر على نتنياهو قد لا يأتي من غزّة وحدها؛ فالداخل الإسرائيلي يلوح بإنتخاباتٍ مبكرة، بينما يشن وزراء من اليمين هجومًا عليه لعدم الذهاب نحو احتلالٍ كامل وسريعٍ للقطاع.
فهل يصمد نتنياهو وسط هذهِ المعركة المزدوجة؟

نتنياهو أشار إلى أنّ إسرائيل باتت تسيطر عسكريًا على نحو خمسة وسبعين بالمئة من قطاع غزّة، مشيرًا إلى عزم إسرائيل على الدخول إلى المواقع المتبقية من القطاع ومنها مدينة غزّة.
نتنياهو يؤكّد تمسكه باحتلال غزّة، وقال إن إسرائيل اقتربت من إكمال المعركة، متعهدًا بهزيمة بقايا المحور الإيراني وتحرير باقي الرهائن على حدِ قوله.
بالأمس أكد نتنياهو بأنّه ماضٍ في توسع العمليّة العسكريّة بغزّة وإن إسرائيل ستحقق أهدافها سواء حصلت على دعم خارجي أو بدونه، وأنّ هدفه ليس احتلال غزّة بل تحريرها بين هلالين من حماس على حدِ وصفه.
نتنياهو تحدث أيضًا عن إنشاء سلطة مدنيّة في غزّة لا تتبع لحماس ولا للسلطة الوطنيّة الفلسطينيّة.
الضغوط على نتنياهو تتواصل من كل جانب، فاليمين المتطرف يدفع باتجاه السيطرة على غزّة، أما زعيم المعارضة يائير لابيد فقال إنّ قرار نتنياهو يعني أن المحتجزين سيلقون حتفهم إلى جانب الجنود في غزّة، وسينهار اقتصاد إسرائيل وستتداعى مكانته الدوليّة.
وبعد الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن التي شهدت انتقادات وتحذيرات من عدّة جهات حول تداعيات خطّة إسرائيل للسيطرة على القطاع.
الرئيس الفرنسي قال إن خطّة إسرائيل بشأن غزّة هي كارثة محققة، وأقترح تشكيل تحالفٍ دولي بتفويضٍ أممي لتحقيق الاستقرار في القطاع.
أمّا وزير الدفاع الإيطالي فقال في تصريحات صحفيّة؛ فقال الحكومة الإسرائيلية فقدت الصواب والإنسانيّة فيما يتعلق بغزّة، وأشار إلى إنفتاحه على إمكانيّة فرض عقوبات على إسرائيل، وقال إنّ ما يحصل غير مقبول ويجب إيجاد طريقة تتجاوز مجرد الإدانة لاجبار نتنياهو على التفكير بوضوح.
المواقف الدوليّة تتوالى بهدف الضغط على إسرائيل، رئيس وزراء أستراليا أكّد عزم بلاده الاعتراف بدولة فلسطين خلال اجتماع الجمعيّة العامة للأمم المتحدة المقبل.
أمّا وزير الخارجيّة النيوزلندي قال إنّ بلاده تدرس الاعتراف بدولة فلسطين خلال اجتماع الجمعيّة العامة للأمم المتحدة، وقال إنّ حكومة بلاده ستتخذ قرارها في شهر أيلول المقبل، وأشار إلى أنّ حكومة بلاده ستطرحُ نهجها خلال الاجتماع.
وبين الحديثِ عن صفقة أو السيطرة على غزّة كثفت إسرائيل قصفها على القطاع، بعد توعد نتنياهو بتوسيع الهجوم.
في الميدان الجيش الإسرائيلي يواصل تدريباته المفاجأة، في حين تستمر الضغوط العربيّة والدولية للدفع نحو الحلّ.
فيما أعلنت هيئة البث الإسرائيلي عن أنّ إسرائيل أعطت الضوء الأخضر للولايات المتحدة الأميركية وقطر للتفاوض على صفقة شاملة لتنهي الحرب. رئيس المكتب السياسي في حركة حماس خليل الحيّة يجري مباحثات في القاهرة، وسيلتقي مسؤولين في القاهرة وسينقل للحركة مبادرة بصيغة جديدة من الوسطاء المصريين والقطريين وبمشاركة تركية؛ في محاولة منهم لنزع ذرائع نتنياهو لإعادة احتلال غزّة.
حال تمت موافقة حماس على المبادرة سيتم نقلها إلى الوسط الأمريكي؛ لنقلها إلى الجانب الإسرائيلي.
تستند المبادرة الجديدة على إطلاق صفقة شاملة لإطلاق جميع المحتجزين الأحياء والأموات مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين، إضافة لقبول حماس خارطة تموضع الجيش الإسرائيلي الجديدة، بإشراف عربي أمريكي إلى حين حلّ قضيّة حكم وسلاح حماس. خلال هذهِ الفترة تجرى مباحثات للوصل إلى حلّ دائم مبني على وقف دائم لإطلاق النار، كما سيتم تجميد سلاح الجناح العسكري لحماس بضمان الوسطاء والجانب التركي خلال الفترة الانتقالية.

فأيُ حلٍ ممكن الآن بعد كل هذهِ التجهيزات؟ وهل من الممكن وقف خطط نتنياهو؟

وسط هذا المشهد الضبابي، الجوع نفسه تحول إلى سلاح في يدِ إسرائيل وفي يدِ حماس أيضًا؛ فأمّا الضحية واحدة؛ أهل غزّة.
إسرائيل تقول الغذاء مقابل رأس حماس، أمّا الأخيرة فترد لا تنازلات، فالمعاناة هذهِ تفضح إسرائيل أمام العالم. والنتيجة إنسان فلسطيني غزي محاصر بين التجويع والاستثمار في جوعه، قدّ يستشهد وهو ينتظر المساعدات، إسرائيل تنكر وتكذب وتتملص وتحاول التقليل من هذهِ الصورة لكنّ الأرقام لا تكذب.
منذ السابع والعشرين من تموز الماضي دخلت فقط حوالي ألف ومئة شاحنة؛ أي أقل بكثير من الحد الأدنى المطلوب يوميًا، وهو ستمئة شاحنة يوميًا. هذا بعد أشهر من الحصار الخانق وإغلاق المعابر قبلها.
وسط هذا الوضع، إسرائيل تُقرّ خطّة للسيطرة على مدينة غزّة بالكامل لإعادة احتلالها والسيطرة على القطاع أيضًا.
الخطاب الإسرائيلي اليوم يهدف إلى إعادة تشكيل جغرافيا وكذلك ديمغرافيا وسط إدانات عربيّة وعالميّة دون أنياب.
أما حماس فخطابها نسخة كربونية ثابتة مكررة من كل مرحلة، الخطّة وورقة التفاوض وليس إلا، والثمن سيكون باهضًا على الإسرائيلي ومكلف جداً بالنسبة له، وكأن الفلسطيني خارج هذه المعادلة وخارج الأثمان وهنا تكمن المفارقة. متى تصبح المقاومة للدفاع عن الأرض ومتى تتحول لمعركة ضد شعبها؟.
التقديرات أخطأت التقدير عندما كانت التوقعات بأنّ إسرائيل لن تخوض حربًا طويلة الأمد، ولن تصل إلى ما وصلت إليه.
حماس بين عقدة سلاح التجويع وسلاح المجاعة، العقدة ليست في الأسرى وإنما في سلاح حماس؛ إسرائيل تريد نزعه وحماس تتمسك به. فمن يسلّمُ سلاحه أولاً؟!

وهل تنجح الضغوط الدولية لثني إسرائيل من احتلال مدينة غزّة؟
الخطّة التي أقرها نتنياهو وفصّلها بالتزامن مع اجتماع مجلس الأمن لمناقشة خطّة احتلال غزّة.
على الأرض التحديات أكبر من الشعارات والجيش الإسرائيلي وإن أقرّ بتنفيذ الأوامر، لا يزال يراهن على عامل الوقت للتأكيد أن إخلاء غزّة وحدها قد يستغرق شهورًا وربما لن يبدء قبل أسبوعين.
أمّا المدن الإنسانيّة التي راهنت عليها إسرائيل وروجت لها لم تشيد بعد، وهي مجرد شعارات نتنياهو بل أوهام.
الكلفة اليوم ليست عسكريّة فقط، وإنما سياسيّة واقتصاديّة كذلك، هي كلها نقاط يوظفها الجيش الإسرائيلي لتأليب الرأي العام الإسرائيلي ضد الحكومة، أما حماس ترفض أي تسويات هي سيطرتها أو سلاحها، وتراهن على استمرار المعاناة ربما سيكسبها نقاط سياسيّة ويزيد الضغط الدولي على إسرائيل.
مفاوضات تتحرك ببطء شديد وباتت في الخلفية، واليوم نتنياهو يتحدث عن خطط جديدة لإنهاء الحرب. فهل تنجح هذه المرّة؟!.

الرأي

شاهد ايضا

Focus Mode