قد تبدو الزهرة أحد أبطال المائدة الصحية في السنوات الأخيرة، بفضل قيمتها الغذائية العالية وسهولة دمجها في الوصفات النباتية والأنظمة منخفضة الكربوهيدرات، غير أن الإفراط في تناولها — كما هو الحال مع أي طعام — يمكن أن يُسبِّب تأثيرات غير مرغوبة على بعض وظائف الجسم. فالاعتدال يظل القاعدة الذهبية في التغذية، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بخضروات صليبية مثل الزهرة والبروكلي والملفوف.
ووفقًا لتقرير نشره موقع Everyday Health المتخصص في الشؤون الغذائية والطبية، فإن تناول كميات كبيرة من الزهرة قد يؤدي إلى ثلاث نتائج رئيسية تتعلق بامتصاص بعض العناصر الدقيقة، وبعمل الجهاز الهضمي، وبالتفاعل مع بعض الأدوية الشائعة مثل الوارفارين. التقرير، الذي راجعته أخصائية التغذية الأمريكية كايلي أندرسون، يؤكد أن تلك الآثار ليست خطيرة في الأحوال العادية، لكنها قد تُصبح مؤثرة عند الإفراط المستمر أو لدى من يعانون من حالات طبية معينة.
أولًا: تأثير الزهرة على امتصاص اليود ووظيفة الغدة الدرقية:
تحتوي الزهرة على مركبات طبيعية تُعرف بـ “الغويتروجينات”، وهي مواد قد تُعيق امتصاص عنصر اليود اللازم لتكوين هرمونات الغدة الدرقية. نقص هذا العنصر ينعكس على معدل التمثيل الغذائي، ونشاط الجسم، ووظائف التركيز والطاقة. ورغم أن هذا التأثير لا يظهر عند الكميات المعتدلة، فإن الأشخاص الذين يعانون أصلاً من نقص اليود أو يتناولون كميات كبيرة جدًا من الزهرة النيئة قد يلاحظون اضطرابًا في توازن هرمونات الغدة. أما من يحصلون على حاجتهم اليومية من اليود عبر الملح المدعَّم أو المأكولات البحرية، فغالبًا لن يتأثروا.
ثانيًا: الاضطرابات الهضمية والغازات:
الزهرة، على الرغم من كونها غنية بالألياف المفيدة، قد تُسبب انتفاخًا أو غازات عند تناولها بإفراط. ويُعزى ذلك إلى احتوائها على ألياف معقدة وسكريات مثل الرافينوز، وهي مركبات لا يُنتج الجسم إنزيمًا قادرًا على تحليلها بسهولة. تتخمر هذه المكونات داخل القولون بفعل البكتيريا النافعة، ما يُولِّد غازات الهيدروجين والميثان وثاني أكسيد الكربون.
في الأحوال الطبيعية، يُعد هذا جزءًا من عملية الهضم الصحية، لكن عند زيادة الكمية يُصبح الأمر مزعجًا، خصوصًا لمن يعانون من القولون العصبي أو اضطرابات الهضم. تناول الزهرة مطهوة على البخار أو مع التوابل المهدئة مثل الكمون والزنجبيل يساعد على تخفيف هذا التأثير.
ثالثًا: التفاعل مع أدوية سيولة الدم:
تحتوي الزهرة على كمية مُعتبرة من فيتامين “ك”، وهو عنصر ضروري لتجلُّط الدم. إلا أن هذا الفيتامين قد يتداخل مع فعالية أدوية مُميّعات الدم إذا تم استهلاكه بكميات كبيرة وغير منتظمة. فزيادة فيتامين “ك” في النظام الغذائي تقلل من قدرة الدواء على منع التجلطات، في حين أن تقليله المفاجئ قد يُغيِّر جرعة الدواء المطلوبة. لذلك، يُنصح الأطباء المرضى الذين يتناولون الأدوية بالمحافظة على مستوى ثابت من الأغذية الغنية بفيتامين “ك” دون إفراط أو انقطاع، مع استشارة الطبيب عند تعديل النظام الغذائي.
بين الفائدة والمخاطرة:
القيمة الغذائية للزهرة لا يمكن إنكارها؛ فهي غنية بفيتامين “ج” ومضادات الأكسدة والألياف، وتُعد من الأطعمة المفيدة للتحكم في الوزن وصحة القلب. لكن الإفراط في تناولها لا يُضيف مزيدًا من الفائدة، بل قد يُرهِق بعض أجهزة الجسم الدقيقة. يُنصح بتناولها مطهوة باعتدال مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعيًا ضمن نظام متوازن يحتوي على أنواع متعددة من الخضروات، لتظل الفائدة قائمة دون آثار جانبية.