في خضم الدمار والركام والجوع والأنين، تعود القضية الفلسطينية إلى الواجهة الدولية من جديد. يتناقل السياسيون تصريحات عن “حل الدولتين”، وتُطرح مبادرات تُعيد فلسطين إلى طاولة النقاش. وهنا يبرز سؤال محوري يتردد في الشارع العربي: من أعادها إلى الساحة؟ ولنفترض، كما يشيع كثيرون، أن الفضل في ذلك يعود إلى حماس، وبشكل مباشر إلى ما يُعرف بـ”معركة غزة”.
لكن السؤال الأهم ليس “من”، بل “كيف؟”.
إن افتراض أن حماس – التي لم تستطع حتى تأمين شحنة طحين للمدنيين – قد نجحت فجأة في إحداث اختراق سياسي عالمي لصالح فلسطين، هو أمر يثير الاستغراب. كيف لمن تعثرت مفاوضاته حول الغذاء أن يُعوّل عليه في رسم معالم دولة أو في مفاوضات مع قوى دولية بشأن حق شعب؟ ومع ذلك، دعونا نمنحها هذا “الفضل”، وننتقل إلى جوهر المسألة: بأي وسيلة أعادت حماس – أو الحرب – القضية الفلسطينية إلى الساحة الدولية؟
الجواب ليس عسكريًا. فالمقاومة المسلحة، رغم مشروعيتها ضد الاحتلال، لم تكن هي التي أحرجت العواصم الغربية، ولا هي التي دفعت الملايين حول العالم إلى النزول إلى الشوارع، ولم تكن صور تفجير دبابات “الميركافا” ما دفع المؤسسات الدولية لمراجعة مواقفها. بل الحقيقة القاسية أن المحرّك الرئيسي لردود الفعل العالمية لم يكن سوى صور الجثث تحت الأنقاض، الأطفال الممزقين، المجاعة، والحصار الخانق. عادت فلسطين من بوابة المأساة، لا من بوابة الانتصار.
هنا تبرز المعضلة الأخلاقية والإنسانية والسياسية: هل يُقبل أن يُعاد الاعتبار لقضية عادلة عبر جحيمٍ إنساني بهذا الحجم؟ هل الطريق إلى الدولة يمر فوق الأشلاء؟ وإذا كان الثمن هو أرواح الأبرياء والجوع والدمار، فهل يمكن حقًا وصف ما يحدث بالإنجاز؟
نعم، تحركت العواصم، وتغيّرت لهجة بعض الساسة، وظهرت فجأة “اهتمامات” دولية بالقضية الفلسطينية. لكن فلنتذكر دومًا أن هذا الحراك لم ينطلق من تقدير للمقاومة، بل من صدمة إنسانية استنزفت ضمير العالم.