الرئيسية رئيسيهل الحلّ في الانتخابات ؟

هل الحلّ في الانتخابات ؟

من Mohammed Alqam
A+A-
Reset

بقلم : أ.د.صلاح العبّادي

بين تطلعات الشارع وجدل التنفيذ العادل والأقليّات، تمضي سوريا بحذرٍ نحو التحول السياسي المنتظر؛ مع استلام الرئيس السوري أحمد الشرع النسخة النهائيّة من النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب.
الانتخابات متوقع أن تُجرى خلال الفترة بين الخامس عشر والعشرين من شهر أيلول المقبل.
ورغم جهود اللجنة العليا للانتخابات لتوسيع المشاركة، يبقى الجدل محتدمًا حول الشفافية والتمثيل العادل، خاصّة في ظل البنيّة الطائفيّة المعقدّة، والتوزيع غير المتوازن للسكان.

التحدي الأكبر هو ضمان إجراء انتخابات تعكس إرادة كل المكونات دون محاصصةٍ، أو استبعاد، مع آمالٍ معلّقة مع استقلاليّة المؤسسات والتزامٍ بالمعايير الدوليّة؛ لتأسيس قاعدةٍ ديمقراطيّة تُخرج سوريا من حالة الإنقسام.
العمليّة الانتخابيّة التي ستجرى؛ لاختيار أعضاء مجلس الشعب الجديد والذين يعيّن ثلثهم الرئيس الانتقالي.
عدد مقاعد المجلس سيكون 210 مقاعد توزع على المحافظات بحسب عدد السكان، ويعيّن منهم الرئيس أحمد الشرع 70 عضوًا.
وينتخب أعضاء المجلس الباقون عبر هيئات ناخبة تشكّلها لجانٍ فرعية، تختارها لجنة الانتخابات العليا، بحسب مرسوم تشكّيل هذهِ اللجنة، التي تضطلع بمهمة تنظيم العملية الانتخابية، أصدره الشرع في حزيران الماضي.
يمثل المجلس الجديد وولايته من ثلاثين شهرًا قابلة للتمديد، السلطة التشريعيّة حتى اعتماد دستور دائم وتنظيم انتخابات جديدة.
رغم خطواتها نحو تنظيم الانتخابات تواجّه الحكومة السوريّة تحدياتٍ أمنيّة وسياسيّة تعيق بسط سيطرتها الكاملة على البلاد.
فشمال شرق سوريا لا يزال تحت سيطرة قسد، وبلدات في القنيطرة تحت الوجود ُ الإسرائيلي، في حين تشهد السويداء توترًا مستمرًا وخروجًا للقوات الحكوميّة، وتواصل مجموعات تابعة لتنظيم داعش الإرهابي نشاطها في البادية. هذهِ المعطيات تعرقل عمل لجنةِ الانتخابات نحو عمل موحدٍ في جميع المناطق.
في هذا السياق المعقد يعودُ ملف الأقليات والفيدراليّة إلى الواجهة، مشكّلاً نقطة توترٍ بين السلطة المركزيّة والمكونات المحليّة وسط تصاعد التدخلات الإقليمية والدوليّة أيضًا.
لكن ثمّة تقاؤلا أميركيا تجاه سوريا، فالمبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف أكّد في مقابلة تلفزيونيّة مع شبكة فوكس نيوز أنّ التوتر في سوريا في طريقه إلى التسويّة رغم الأحداث الأخيرة، لا بل والاتفاقات الإبراهيميّة ستتوسع، متوقعًا أن تنضم إليها ما بين نحو ست إلى عشر دول قبل نهاية العام الجاري ٢٠٢٥.
وفي إطار حرص الحكومة السوريّة على تهيئة الأجواء قبل إجراء الانتخابات وضبط إيقاع المشهد، فإنّ دمشق تسعى لتهدئة الشارع من تبعات أحداث وانتهاكات السويداء، وقبل ذلك الساحل، وتسعى لفرض وجودها الأمني.
قيادة الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية أعلنت اعتقال ملك عقلة ابو صالح الذي يتزعم غرفة عمليات الساحل، التي تعتبرها خارجةً عن القانون وضبطت وضاح سهيل إبراهيم المتورط في إعتداءات أمنيّة خلال أحداث الساحل في آذار الماضي، واعتقلت في جبله إبراهيم نضال عثمان وقادة آخرين من نفس المجموعة في إطار الجهود المكافحة للمجموعات الخارجة عن القانون في المنطقة.
هنا يكمُن السؤال:
ما هي الخيارات المتاحة أمام دمشق لتجاوز حالة الإنقسام، وفرض شرعيّةٍ انتخابيّةٍ مقبولة محليًّا ودوليًّا؟!
وهل ستشكّلُ نجاح أو فشل مسار الانتخابات النيابيّة بوابة عبور للانتخابات الرئاسيّة؟ وهل ستعكس الانتخابات النيابيّة المرتقبة إرادة كل مكونات الشعب السوري أم ترسخ حالة الإنقسام القادم؟!

بالتأكيد يوجد تحديات في الشارع السوري، لكنّ هذهِ التحديات لن تحول دون قيام الحكومة السوريّة بمتابعة أدوارها.
من المؤكّد بأنّ الحكومة ستواجّه العديد من المشاكل والمعيقات، المتمثلة في التمثيل العادل لمكونات الشعب السوري، والسيطرة على جميع المناطق دون استثناء، خاصّة المناطق المتنازع عليها سياسيًّا مع قسد.
الانتخابات النيابيّة السوريّة قد تكون المخرج الوحيد من عُقدة سياسيّة في البلاد.
أمّا ما يحدث في جنوب سوريا، فالحكومة السوريّة استطاعت اقناع فرنسا والولايات المتحدة الأميركية بأنّها سحبت الجيش على عجلٍ من الأمر وخفضت التصعيد، ولجأت إلى استيعاب النتائج السلبيّة لكل ما حدث في السويداء.
كما أنّ تساؤلات تدور حول تأثير الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على مسار التسويات المقبلة في سوريا، وكذلك مسار العمليّة الانتخابيّة، في وقت تجسّد محافظة السويداء نموذجًا واقعيًا لابتعاد نموذج حي لابتعاد محافظة سوريّة عن قرار وسلّطة المركز؟!
الاستعداد لإجراء الانتخابات يسبقه حراك سياسي للوصول إلى تسويات للعديد من الملفات المؤرقة.
خلال اليومين الماضيين جرى اتصالٍ هاتفي بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس السوري أحمد الشرع، والذي دُعيّ
لإيجاد حلّ سياسي مع الفاعلين المحليين، آملًا أنّ تحرز المفاوضات بين قوات سوريا الديمقراطيّة والسلطات السوريّة تقدّمًا. دعوة الرئيس الفرنسي جاءت بعد أنّ استضافة العاصمة الفرنسية مؤخرًا اجتماعًا غير مسبوق بين مسؤولين سوريين وإسرائيليين، بوساطة اميريكية، مما يشير إلى سعي فرنسا للعب دورٍ محوريٍ في سوريا.
فهل تنجح باريس؟ وهل لديها القدّرة على إيجاد حلولٍ لمشاكل سوريا في الجنوب والشمال قُبيل إجراء الانتخابات ؟ وما هي مفاتيح الحلّ الفرنسيّة لمشاكل سوريا وهل يمكن إعادة ما حصل بين قسد ودمشق؟.
يبدو بأنّ هناك توافقات تجري بين إسرائيل والحكومة السوريّة، وهو الأمر إذا ما حدث، فإنّ الوضع الراهن يشير إلى أنّ الأمور تسير باتجاه ترتيبات لإدارة جبل العرب، مقابل إنسحاب القوات الإسرائيلية، رغم بقاء القوات العشائريّة في محيط السويداء.
الحديث عن إدارة محليّة لأهل جبل العرب ربما يعزز حالة الإنقسام في الداخل السوري، وبالتالي سيكون له إنعكاسات واضحة على المشهد الانتخابي المقبل.
في الوقت نفسه الذي أكّدت فيه الخارجيّة السوريّة عدم حدوث أي تقدمٍ في اتفاق آذار الماضي بين الحكومة السوريّة وقوات سوريا الديمقراطية قسد، وهو ما أُرجع إلى غياب رؤية واضحة في قيادة قوات سوريا الديمقراطية؛ في مشهد تشدّد فيه واشنطن وباريس على دعم جهود حكومة دمشق في المصالحة، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات.
الملف السوري هو أيضًا على طاولة النقاش في باريس تحت عناوين ثلاثةٍ رئيسيّة؛ تتمثل في الأكراد وأحداث السويداء والاستتباب الأمني داخليًّا ومع دول الجوار.
ومع بدء العد التنازلي لإجراء أول انتخابات في البلاد بعد سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول من العام ٢٠٢٤؛ كان لقاءٌ ثلاثيٌ سوريٌ فرنسيٌ أمريكي جمع وزير الخارجيّة أسعد الشيباني بوزير الخارجيّة الفرنسي جون نويل بارو مع المبعوث الأميركي توم برّاك، أنتج اتفاق الأطراف الثلاثة على الحاجة المُلحة إلى التعاون الوثيق لتعزيز الاستقرار، ودعم مسار الانتقال السياسي في سوريا، وتأكيد التزام سوريا بعدم تشكّيلها تهديدًا لجيرانها، وهي بالمقابل تلتزم بأمن واستقرار سوريا.
وكذلك تحقيق المصالحة الوطنيّة وتعزيز التماسك المجتمعي، وتحديداً في شمال شرق سوريا وهو العمق الشعبي للكرد السوريين، ومحافظة السويداء التي شهدت اشتباكاتً واسعةً خلال الأسابيع الماضيّة تخللها انتهاكات ووجّهت أصابع الاتهام فيها لقواتٍ حكوميّة.

وفي هذهِ المرحلة الدقيقة التي تسبق إجراء الانتخابات؛ فإنّ المشهد في السويداء لم يخل من التوتر، حيث كشفت تقارير عن تزايد نشاط الجيش الإسرائيلي في الريف الجنوبي، وفي ريف القنيطرة بما في ذلك القرب من الجولان. وفي المقابل تؤكد الولايات المتحدة مواصلة الدعم لدمشق في هذهِ المرحلة الدقيقة، وفي هذا الإطار حثت الولايات المتحدة مجلس الأمن الدولي تعديل عقوباتهِ على سوريا، في خطوةٍ قالت القائمة بأعمال المندوب الأميريكي لدى الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة قالت بأنّها ستساعد دمشق في الانتصار بالحرب على الارهاب.
هواجس عدّة بشأن سوريا ما بعد التصعيد في السويداء، وقُبيل إجراء انتخابات مجلس الشعب السوري.
فهل سيكون الهدوء الحالي الذي يسبق إجراء الانتخابات والتحضير لها نار تحت الرماد؟!
وما خطورة عودة التوتر إلى المشهد السوري بشكل عام وانعكاساته على الانتخابات المقبلة؟
كما أنّ إجراء الانتخابات في وقت تشهد سوريا احتقانات سياسيّة وطائفيّة، ربما سيثير تساؤلات من يريد التشكيك حول نزاهة وعدالة العمليّة المقبلة؟!
وهل يُعاد ترتيب المشهد السياسي السوري في بلدٍ أزهقته الصراعات من بوابة البرلمان، في وقت يستعد السوريون إلى خوض أول انتخاباتٍ برلمانية بعد أن اسقطوا النظام السابق؟
في خطوة تنذر بولادة مرحلة جديدة طال انتظارها، وفي مرحلة فارقة بين ماضٍ مثقلٍ بالحرب وبين حاضرٍ لا يخلو من تجاذباتٍ طائفية وسياسيّة، يبقى مستقبل سوريا رهنًا لصناديق أيلول. فهل تكون هذهِ الانتخابات بداية للتحول الحقيقي؟ وهل يستعيد السوريون حقهم في التمثيل؟

التحليل السياسي –

شاهد ايضا

Focus Mode