لم تكن جائحة كورونا أزمة صحية فقط، بل كانت الشرارة التي دفعت الجامعات الأردنية إلى تبني التعليم الإلكتروني بشكل عاجل. هذا التحول كشف عن ثغرات واضحة في البنية التحتية وضعف تفاعل الطلبة وعدم معرفتهم بكيفية أداء التعليم عن بُعد، إذ جاء هذا التحول بشكل مفاجئ خلال الجائحة. وفي المقابل، فقد أدى ذلك أيضًا إلى ارتفاع ملحوظ في علامات الطلبة، لكن دون أن يوازيه تحسّن في جودة التعليم، ما أفرز تحديًا حقيقيًا حول مخرجات العملية التعليمية ومستقبل الخريجين وكفاءتهم.
واليوم، يطلّ ChatGPT كأبرز أدوات الذكاء الاصطناعي في التعليم الجامعي، حيث يوفر للطلبة القدرة على الحصول على شروح فورية وملخصات ومحتوى جاهز. وبينما يراه البعض مساعدًا ذكيًا يوفر الوقت والجهد، يخشى آخرون أن يضعف مهارات البحث والتفكير النقدي لديهم.
ورغم الفرص التي يتيحها مثل تعزيز التعلم الذاتي ودعم التعليم المدمج وإعداد طلبة أكثر جاهزية لسوق العمل، إلا أن المخاوف قائمة: ضعف التفكير النقدي، تراجع دور الأستاذ الجامعي، واتساع الفجوة الرقمية بين الطلبة.
حيث تتزايد هذه المخاوف بشكل خاص لدى طلبة الكليات الطبية، بما في ذلك
كليات الطب، وطب الأسنان، والتخدير، والتمريض، والصيدلة، والعلاج الطبيعي، والمختبرات الطبية، وغيرها من التخصصات التي تقوم على التطبيق العملي واكتساب المهارات الميدانية. إذ يصعب تعويض هذه الخبرات السريرية والعملية بشكل كامل عبر التعليم الإلكتروني، مما يفرض تحديًا مضاعفًا يتمثل في ضرورة تحقيق توازن فعّال بين التعليم الرقمي من جهة، والتدريب العملي المباشر داخل المستشفيات والمختبرات والميادين التطبيقية من جهة أخرى، وهو ما يظهر بوضوح في كليات الحطيئة والبرامج الصحية المماثلة
ومع بروز هذه التحديات والفرص، من المهم أن تبادر الجامعات الأردنية إلى إدماج التدريب على الذكاء الاصطناعي ضمن مناهجها، مع وضع سياسات واضحة للاستخدام المسؤول، والاستثمار في بنية تحتية حديثة. هذه الخطوات لا تعكس فقط استجابة لواقع جديد فرضته التكنولوجيا، بل تؤكد أيضًا التزام الجامعات بدورها الريادي في إعداد جيل قادر على التفكير النقدي والإبداع، يمتلك أدوات المستقبل ويوازن بين المعرفة النظرية والتطبيق العملي.
إن توظيف الذكاء الاصطناعي في التعليم ليس خيارًا عابرًا، بل هو استثمار في مستقبل جيل كامل يواجه تحديات غير مسبوقة. فإذا أحسنا استخدام هذه الأدوات لتكون جسرًا نحو الإبداع والابتكار، سنصنع جيلًا قادرًا على المنافسة عالميًا. أما إذا تركناها بلا ضوابط، فقد نفقد جوهر العملية التعليمية ونُخرّج طلبة يفتقرون إلى المهارات الحقيقية التي يحتاجها سوق العمل والمجتمع.
وفي النهاية، يبقى واجبنا أن نعمل من أجل وطننا، وأن نُنشئ جيلًا واعيًا يحمل العلم والمعرفة، قادرًا على رفع مستوى بلدنا والمساهمة في بناء أردن قويّ يقف في طليعة الأمم علمًا وإبداعًا. فالأردن يستحق الأفضل، ولنمنحه دائمًا الرؤية والسياسات الحكيمة التي تنهض بمستقبل أجياله وتفتح أمامهم آفاق الريادة والتقدم.