للمرة الأولى، باتت قائمة العشرة الأوائل لهدافي البطولة خاليةً من أي لاعب من حقبة «كأس أوروبا للأندية الأبطال» (1955-1992)، واقتصرت على لاعبين من حقبة «دوري الأبطال» منذ إعادة تسمية البطولة عام 1992. وقد يتساءل البعض: ما أهمية الأمر؟ إنها مجرد قائمة ستتغير مع مرور الزمن. لكن في الواقع، أليست في ذلك دلالة على أن تضخم جدول المباريات في عصرنا الحديث يمحو تدريجياً أسماء وأرقام العظماء الذين أسهموا في جعل البطولة ما هي عليه اليوم؟
دي ستيفانو، على سبيل المثال، سجَّل في أول 5 نهائيات متتالية لريال مدريد، من بينها ثلاثية تاريخية في نهائي 1960 أمام آينتراخت فرانكفورت في غلاسكو، بحضور نحو 127 ألف متفرج، بينهم شاب اسمه أليكس فيرغسون. وقد تُوِّج بالبطولة 5 مرات، وخاض 7 نهائيات، وكان أول مَن وصل إلى 10 أهداف في موسم واحد (1957 – 1958)، قبل أن ينهي مشواره بـ49 هدفاً عام 1964. ورغم أنه لم يكن مهاجماً صريحاً، بل كان لاعباً شاملاً يوزِّع اللعب ويقود الهجمات بمهارة، فإن معدله التهديفي لم يتفوق عليه سوى هالاند، لكن توسع البطولة وازدياد عدد مبارياتها حرم دي ستيفانو وأقرانه من البقاء في الصدارة.
ولفهم الفارق، يشار إلى أن البطولة في نسختها الأولى عام 1955 – 1956 لم تتجاوز 29 مباراة، بينما يشهد موسم 2025 – 2026 وحده 189 مباراة، أي أكثر من إجمالي المباريات التي أُقيمت في المواسم الأربعة الأولى مجتمعة. خلال 37 موسماً من «كأس أوروبا» أُقيمت 2135 مباراة، أما حقبة «دوري الأبطال» (34 موسماً حتى الآن) فقد شهدت 3859 مباراة، وستصل إلى 4030 بنهاية الموسم المقبل. وبذلك، لم يكن لأساطير مثل دي ستيفانو، وفيرينتس بوشكاش، وغيرد مولر، أي فرصة للبقاء في قوائم الهدافين التاريخية، رغم أن معدلاتهم التهديفية تفوقت على كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي.
ريال مدريد تُوِّج بلقب 1955 – 1956 بعد خوض 7 مباريات فقط، بينما احتاج باريس سان جيرمان البطل الأخير إلى 17 مباراة. أما أكثر لاعبي حقبة «كأس أوروبا» مشاركةً، فهو الإسباني فرانشيسكو خينتو، فقد لعب 89 مباراة فقط، وهو رقم تجاوزه أكثر من 70 لاعباً في حقبة «دوري الأبطال». وحتى متوسط الأهداف في المباريات الأولى من البطولة كان أعلى، لكنه عكس طبيعة كرة القدم آنذاك؛ مباريات مفتوحة، واندفاع هجومي، ووفرة في الأهداف.
الوضع ذاته قد يتكرَّر مع كأس العالم. ابتداءً من نسخة 2026 سيرتفع عدد المنتخبات إلى 48 بدلاً من 32، مع إضافة دور جديد من 32 فريقاً. هذا التوسع سيمنح النجوم فرصاً إضافية للتسجيل، خصوصاً أمام منتخبات أضعف. وإذا تحقَّق المقترح بزيادة العدد إلى 64 منتخباً في نسخة 2030، فإن الرقم الأسطوري للفرنسي جوست فونتين (13 هدفاً في نسخة 1958 خلال 6 مباريات) قد يفقد فرادته، وربما يصبح تجاوزه ممكناً، نظراً لكثرة المباريات وسهولتها نسبياً. أما في حال تم اعتماد مقترح إقامة المونديال كل عامين بدلاً من أربعة، فإن الأرقام التاريخية ستواجه تهديداً أكبر، وستفقد قيمتها أمام تكدس المباريات المتلاحقة.
صحيح أن هذا ليس «أكبر مشكلات اللعبة الحديثة»، لكنه يترك أثراً عاطفياً لدى المشجعين. فأسماء مثل دي ستيفانو وبوشكاش ومولر، التي صنعت المجد ورسّخت مكانة البطولة، تختفي تدريجياً من السجلات الرسمية، بفعل تضخم المنافسات وتسارع الروزنامة.