بتنظيم من جمعيّة الثقافة والتعليم الأرثوذكسيّة، وبالتعاون مع المبادرة العربيّة المسيحيّة “عروبة”، عُقد في عمّان مؤتمر العرب المسيحييّن الأوّل: “الجذور، والأدوار، والمسار النهضويّ”، بمشاركة نخبة من المفكّرين والأكاديميّين ورجال الدين والباحثين من الأردنّ والوطن العربيّ وبعضِ الدول الأوروبيّة وكندا وروسيا. وقد شكّل انعقادُ المؤتمر إنجازًا يُضاف إلى سجَّل إنجازات جمعية الثقافة والتعليم الأرثوذكسيّة، باعتبارِها مؤسّسة أردنيّة وطنيّة رائدة في مجالَي التعليم والثقافة. ويُعَدّ المؤتمرُ إضافة نوعيّة إلى المشهدِ الثقافيّ الأردنيّ والعربيّ انطلاقًا من رؤية عروبيّة ثقافيّة تنويريّة. والعروبة في فلسفة المؤتمر ورؤيته هي عروبة اللسان والثقافة، كإطار حضاريّ جامع يُؤكّدُ وَحدة الانتماء والمصير والتطلّعات النهضويّة المشروعة لكل أبناء العروبة.
ناقش المشاركون في جلسات المؤتمر المحاور المُرتبطة بالجذور التاريخيّة للعرب المسيحيّين، وأدوارِهم الحضاريّةِ والثقافيّة، ومسارهم النهضويّ من الماضي إلى الحاضر فالمستقبلِ المَرجوّ، وخلصوا إلى التوصياتِ التالية:
أوّلًا: يؤكّد المؤتمر أنّ العربَ المسيحيّين جُزءٌ أصيلٌ من الأمّة العربيّة ومُكوّنٌ أساسيّ في نسيجها الحضاريّ والثقافيّ، وقد أسهموا عَبرَ التاريخ في بناء نهضتها إلى جانبِ إخوتهم المسلمين. ويدعو إلى اعتماد مُصطلح “العرب المسيحيّون” في الخطاب الثقافيّ والإعلاميّ والرسميّ، لما يحمله من دلالات جامعة تعبّر عن الهُويّة والانتماء العربيّ الأصيل. كما اتفق المؤتمر على عدم تداول مُصطلح “التعايش” ، واعتماد مفهوم “العيش الواحد” على قاعدة “المواطَنة” بديلاً عنه؛ تأكيدًا على المساواة في الحقوق والواجبات بيْن جميع المواطنين دون تمييز. ويُشدّد على عدم الإشارة إلى العربِ المسيحيّين بأنّهم “أقليّاتٌ” أو “طوائفُ” أو “كُوتات”؛ على اعتبار أنّهم مُواطنون يتمتّعون بكاملِ الحقوق والانتماء لوطنهم وأمّتهم.
ثانيًا: يدعو المؤتمر إلى إدماج تاريخ العرب المسيحييّن وإسهاماتهم في المناهج التعليميّة المدرسيّة والجامعيّة والبرامج الإعلاميّة لتعزيز الوعي بتاريخنا العربيّ المشترَك، وإبراز التاريخ والأثار المسيحيّة التي تؤكّد الوجودَ العربيّ المسيحيّ في الأردنّ والمِنطقة، وضرورة التواصل مع المركز الوطنيّ للمناهج لضمان حضورٍ عادل للشخصيّات العربيّة المسيحيّة في المحتوى العلميّ والأدبيّ والثقافيّ، خاصّة تلك الشخصيّات التاريخيّة التي لمْ تنلْ حقّها من البحث ، والإشارة إلى الرموز المسيحيّة باعتبارِها مُكوّناتٍ أصيلة في النسيج الوطنيّ العربيّ الجامع.
ثالثًا: يُوْصي المؤتمر ببناء خطابٍ إعلاميّ عربيّ مُتّزن يُبرزُ الدور الحضاريّ للعرب المسيحيّين في تشكيل الثقافة العربيّة الإسلاميّة، ويُشجّع المؤسّساتِ الإعلاميّة على إنتاج محتوى يعكسُ الشراكة التاريخيّة بين المسلمين والمسيحيّين في النهضة العربيّة. كما يدعو إلى بناء خطابٍ عربيّ مسيحيّ يقوم على قِيَم العدالة والمواطنة والمساواة بين الجنسيْن، مع توثيق دوْر العرب المسيحيّين في دعم القضايا العربية العادلة، وعلى رأسها القضيّة الفلسطينيّة، خصوصًا خلالَ العدوان الغاشمِ على غزّة.
رابعًا: يُوْصي المؤتمر بضرورة بلوَرة خطاب لاهوتيّ عربيّ أصيل قادرٍ على مواجهة التأويلات و السرديّات الصهيونيّة المغلوطة للمسيحيّة الأصيلة.
خامسًا: يُوْصي المؤتمر بتجميعِ الأوراقِ البحثيّةِ التي قُدّمتْ فيه وتوثيقِها في كتابٍ خاصّ بالمؤتمر، مع مُلخّصاتٍ غيْر مُخلّة مُوجّهة إلى القارىء العامّ وأصحابِ القرار؛ على أنْ يتمّ البناءُ عليها في مؤتمرات مستقبليّة وعدم تركها حبيسة الأدراج. كما يُوْصي بإضافة هذه التوصيات إلى “رسالة عمّان” لتكونَ وثيقة داعمة لرسالة المواطنة والمحبّة والوَحدة الوطنيّة؛ مع العمل على توسيع نطاق المبادرة إلى جميع مُحافظات المملكة الأردنيّة الهاشميّة لتعزيز الوعي والانتماء لدى جميعِ شرائحِ المجتمع، لا سيّما في المناطقِ الأقلّ حظًّا.
سادسًا: يُوْصي المؤتمر بضرورة تعزيز الحوار الفكريّ التنويريّ، خاصّة بين الشباب، حول مفهوم الدولة المدنيّة والمواطنة كإطارٍ جامعٍ يَضمنُ الحريّة والعدالة والمساواة بيْن جميع المواطنين، لا فرْقَ بيْن الرجل والمرأة؛ وصولاً إلى تجسيد ذلك في الفكر الاجتماعيّ والثقافيّ الجَمْعِيّ.
سابعًا: يُوْصي المؤتمر بضرورة اعتبار التنوّعِ الدينيّ مصدرَ غنى حضاريّ في ثقافتنا العربيّة. ويدعو الدول العربيّة إلى سَنّ تشريعاتٍ تضمن استمرارَ هذا التنوّعِ وازدهارَه، وأنْ تعملَ على إدارته بطريقةٍ مسؤولةٍ ومُبدعة. ويُقدّر المؤتمر عاليًا أهمّيّة الدين الأخلاقيّة والسلوكيّة في مجتعاتنا العربيّة؛ إلّا أنّه يُوْصي بضرورةِ عدم إقحام الدين والشعارات الدينيّة في الحياة السياسيّة، لأنّ ذلك لا ينسجمُ مع الدعوة إلى تجسيد قِيَم المواطنة والدولة المدنيّة والعدالةِ والمساواة.
ثامنًا :يُوْصي المؤتمر بضرورة التواصُل مع العرب المسيحيّين في المهاجر والبحث في آفاقِ التعاونِ معهم؛ الأمر الذي من شأنه أنْ يُسْهمَ في تعزيز ارتباطِهم بأوطانِهم الأصليّة، مع دعوة جميع المواطنين في الوطنِ العربيّ إلى الصمودِ في وَجْه التحدّيات والتمسّك بالأوطان في كنَف الانتماء العربيّ الجامع، والعمل الدؤوب مع الجهاتِ المعنيّة داخلَ الوطن العربيّ لتثبيتِ الوجود المسيحيّ فيه ووقف هجرةِ المسيحيّين وتهجيرِهم منه.
تاسعًا: يدعو المؤتمر إلى إنشاء مُتحفٍ يَتبنّى مشروعَ أرشفةٍ رقميّة لتوْثيقِ التراثِ المسيحيّ في الأردنّ. ويُوْصي بإنشاءِ مركزٍ للدراسات بريادة جمعيّة الثقافة والتعليم الأرثوذكسيّة يُعنى بتشجيع تحقيقِ المخطوطات العربيّة المسيحيّة ونشرِها، ودراسة الأطروحات الفكريّة التنويريّة للعرب المسيحيّين في تاريخ النهضة العربيّة الحديثة، والقيام بدراسات مُعمّقة حول أوضاع العرب المسيحيّين الراهنة في المِنطقة العربيّة والمهاجر، وبالبحث في الآفاق المستقبليّة. كما يُوْصي المؤتمر بفتح الأرشيفات الكنسيّة أمام الباحثين لدراسة تاريخ الأوقاف والسجلات والوثائق التاريخيّة الخاصّة بالعرب المسيحييّن في الأردنّ والمِنطقة.
عاشرًا: أنْ يكونَ المؤتمرُ دوريًّا (كلّ سنة أو سنتيْن)؛ وأنْ يضمَّ الكُلّ العربيّ المسيحيّ في الأردنّ والمِنطقة العربيّة والمهاجر.
ختامًا: أكّد المؤتمِرون أنّ نهضة العرب المسيحيّين جُزء لا يتجزّأ من نهضة الأمّة العربيّة جَمْعاء، وأنّ ترسيخَ قِيَم المواطنة، بكلّ معانيها الإنسانيّةِ والثقافيّةِ والقانونيّة، هو الطريقُ نحو مستقبلٍ عربيّ مُتنوّر مُشرق يقوم على الوعي والانتماء والتضامُن والتكافُل بين أبناءِ العروبةِ كافّةً.
44