الرئيسية مقالاتطاهر المصري في عيون عبدالله النسور: شهادة شرق النهر لغربه

طاهر المصري في عيون عبدالله النسور: شهادة شرق النهر لغربه

من mk
A+A-
Reset

بقلم : إبراهيم ناصر

في “بودكاست المنعطف” كان المشهد لافتًا، حين جلس رئيس الوزراء الأسبق عبدالله النسور أمام مضيفه الدكتور محمد أبو رمان، وفتح صندوق ذكرياته وتجربته، فإذا به يتوقف مطولًا عند طاهر المصري. لم يكن الحديث مجرد تقييم سياسي لرجل حكم في مرحلة صعبة، بل شهادة وجدانية حملت معاني أبعد من السياسة. شهادة صادرة من ابن السلط وعشائرها، تجاه رجل جذوره من نابلس، في بلدٍ لطالما ظلّت حساسية “الشرق والغرب” حاضرة في خلفية النقاشات السياسية والاجتماعية.

طاهر المصري لم يكن في يوم من الأيام مجرد رئيس حكومة أو رئيس مجلس نواب أو أعيان، بل تحوّل مع مرور الوقت إلى رمزٍ عابر للمناصب. رمز للأردنيين من أصول فلسطينية، ذاك المكون الكبير الذي أسهم في بناء الدولة ومؤسساتها، لكنه بقي يبحث عن شخصية جامعة تعبّر عنه داخل معادلة الدولة، شخصية لا تثير حساسيات ولا تخلق فرزًا، بل تعكس حضوره وتؤكد اندماجه الكامل في النسيج الوطني. المصري جسّد هذه المعادلة النادرة: الانتماء الصادق للأردن، والقدرة على تمثيل وجدان شريحة عريضة من أبنائه في الوقت ذاته. دون قصد، وترتيب، حتى عندما ترشح للإنتخابات اختار دائرة انتخابية ليست مرتبطة بمكون اجتماعي محدد. لم يستخدم فلسطين ولا حتى المخيمات آداة في مشواره السياسي، طاهر لم يقدم نفسه يوما على أنه زعيما أردنيا فلسطينيا. بل على العكس، ربما لأن نابلس مسقط رأسه كانت جزءا من الدولة الأردنية ولقد نشأ على ذلك. ربما لكونه قومي عروبي. المهم أنه لم يختر رمزيته بل اختارته هي.

النسور، وهو رجل يعرف قسوة الحكم وصعوبة الموازنة بين التيارات، لم يتحدث عن المصري ببرود السياسيين المعتاد، بل بنبرة إعجاب واحترام. وصفه بأنه رجل وازن بين المكونات، وأنه لم يحمل نزعة مناطقية أو جهوية، بل سعى دائمًا إلى التوازن والعدالة في كل ما تولاه. هذه ليست شهادة عابرة، بل وثيقة سياسية بليغة: أن قاعدة أساس المواطنة الصالحة هي الإنجاز والكفاءة، لا المنابت والمواريث.

لكن الحديث عن طاهر المصري لا يقتصر على ما فعله في الماضي، بل يتصل بما يمثله اليوم وما قد يمثله غدًا. فالحقيقة أن المصري ما زال حاضرًا بيننا، لكن السؤال الذي
يفرض نفسه: ماذا بعد طاهر المصري؟ من يملأ الفراغ الرمزي
الفراغ الذي قد يشكله غياب الرجل الذي جمع الناس حوله بتواضعه واعتداله ومسيرته الطويلة؟ فالموجودون، مهما علت مكانتهم، لا يشبهون المصري في روحه أو في بساطته أو في رمزيته الجامعة. وهنا يكمن القلق الحقيقي: أن يغيب الرمز ويبقى المكون بلا صوتٍ قريب منه.

وليس في ذلك ما يثير الغرابة أو الحساسية. فكما أن لكل محافظة زعاماتها ووجهاؤها الذين يلتف الناس حولهم، فإن للأردنيين من أصول فلسطينية حقهم في أن يجدوا في طاهر المصري رمزًا جامعًا لهم. وجود رمز لا يعني وجود انقسام، بل هو اعتراف بالتنوع الذي يشكّل عمق الدولة الأردنية، وتأكيد أن المواطنة الجامعة لا تُلغى بوجود رموز تمثل المكونات، بل تُعزَّز.

طاهر المصري، بهذا المعنى، لم يكن ممثلًا لفئة على حساب الوطن، بل كان تجسيدًا لفكرة أن الأردن وطنٌ للجميع، وأن المكونات المختلفة ليست خطوطًا فاصلة، بل ألوانًا متكاملة في لوحة واحدة. وها هو عبدالله النسور، أحد أعمدة هذه الدولة وابناؤها البارين صاحب الدولة والمعالي والذي قدم لوطنه الأردن كثيرا وللسلط وابناء السلط، يضع شهادته بصدق ووضوح: أن المصري لم يكن يومًا غريبًا، بل كان جزءًا أصيلًا من معادلة الدولة وركيزة من ركائزها.

قد يقرأ البعض شهادة النسور بوصفها مجرد تقدير شخصي، لكن المتأمل يلمس رسالتها الأعمق: رسالة مصالحة وتذكير في آنٍ معًا، أن الأردن يظل قويًا حين يتسع للجميع، وأن رموزًا مثل طاهر المصري ليست ترفًا سياسيًا، بل ضرورة وطنية. ومن هنا فإن الخوف من مرحلة ما بعد طاهر ليس خوفًا على شخص، بل على فراغ رمزي قد يصعب ملؤه بسهولة.

إنها شهادة أبو زهير في أبي نشأت، شهادة شرق النهر لغربه، شهادة تقول بوضوح إن الوطن لا يُبنى إلا على التوازن والاعتراف المتبادل، وإن الرجال يُقاسون بما قدموه وبما يمثلونه، لا بما ورثوه من منابت وأصول. وفي ذلك درس للأردنيين جميعًا: أن الأردن وطن واحد، وأن الأردنيين بكافة أطيافهم ومنابتهم وأصولهم أردنيون.

شاهد ايضا

Focus Mode