الرئيسية ⁠اقتصادشبكات جديدة وتمويلات خليجية تعيد رسم خريطة الطاقة السورية

شبكات جديدة وتمويلات خليجية تعيد رسم خريطة الطاقة السورية

من s j
A+A-
Reset

في تحول لافت بمشهد الطاقة السوري، بدأت تتضح ملامح خريطة جديدة لإمدادات الغاز والكهرباء، تتقاطع فيها خطوط التمويل الخليجي، وتدفقات الغاز الأذري، وشبكات النقل التركية، ضمن مشروع إقليمي يستهدف إنعاش قطاع الكهرباء في سوريا المنهك بفعل الحرب.

الأسبوع الماضي، أعلنت قطر عن تمويل المرحلة الثانية من دعمها لتوليد الكهرباء في سوريا، عبر زيادة إمدادات الغاز الطبيعي من مليوني متر مكعب يومياً إلى 3.4 مليون متر مكعب، ما سيرفع الطاقة الإنتاجية إلى نحو 800 ميغاواط، ويوفر تغذية يومية لحوالي 5 ملايين شخص.

ووفق بيان رسمي، يُتوقع أن تحسّن هذه الخطوة إمدادات الكهرباء اليومية بنسبة 40%، لتشمل مناطق سكنية وتجارية وصناعية، ما يرفع إجمالي مساهمة صندوق قطر للتنمية في قطاع الكهرباء السوري إلى أكثر من 760 مليون دولار.

دعم لثلاث سنوات

بحسب الصندوق القطري، ستمتد المرحلة الثانية لعام كامل، وسيُضخ الغاز من أذربيجان مروراً بتركيا وصولاً إلى مدينة حلب، حسبما أكد وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار، الذي أشار إلى أن الشحنات ستبدأ بالوصول اعتباراً من 2 أغسطس، لتغطي احتياجات 1.6 مليون منزل.

من جهته، أوضح وزير الطاقة السوري محمد البشير أن الإمدادات الأذرية ستُستخدم مباشرة في توليد الكهرباء، بينما أشار أحمد سليمان، مدير الاتصال في وزارة الطاقة السورية، إلى أن هذا الدعم سيستمر لمدة ثلاث سنوات قابلة للتمديد، مؤكداً أن الغاز “سيُستخدم مباشرة في توليد الكهرباء، ما سيزيد عدد ساعات التغذية الكهربائية بنحو خمس ساعات يومياً”.

وكانت قطر أعلنت في مارس عن نيتها تزويد سوريا بالغاز الطبيعي عبر الأردن، بهدف رفع قدرة التوليد الكهربائي تدريجياً انطلاقاً من 400 ميغاواط، في محاولة لمعالجة النقص الحاد في الطاقة وتحسين أداء البنية التحتية.

بنية تحتية متهالكة واستثمارات مرتقبة

تأتي هذه المبادرات في ظل معاناة سوريا من عجز كهربائي يتجاوز 80% من احتياجاتها، نتيجة الدمار الكبير في محطات التوليد وخروج عدد منها عن الخدمة.

خالد أبو دي، المدير العام لمؤسسة نقل وتوزيع الكهرباء، قدّر كلفة إعادة تأهيل القطاع بنحو 40 مليار دولار، منها نصف مليار مخصصة لأعمال النقل والتحويل، مشيراً إلى أن استقرار القطاع يتطلب نحو خمس سنوات، مع بدء التحسن التدريجي اعتباراً من أغسطس.

وأوضح أبو دي أن أكثر من 50 محطة توليد تعرضت لأضرار جسيمة، ما أثر سلباً على كفاءة توزيع الكهرباء. وتضم سوريا حالياً 12 محطة توليد، تبلغ قدرتها الإنتاجية النظرية 4000 ميغاواط في حال توفر الوقود، بينما لا يتجاوز التوليد الفعلي 1300 ميغاواط، مقابل حاجة إجمالية تُقدّر بـ6500 ميغاواط، وفق تصريحات سابقة لوزير الكهرباء عمر شقروق لوكالة “سانا”.

ورغم التحديات الضخمة، تشهد البلاد تحركات مالية ولوجستية لافتة، إذ أعلنت وزارة الطاقة السورية في مايو عن توقيع مذكرات تفاهم مع شركات دولية لاستثمارات بقيمة 7 مليارات دولار، تهدف إلى توليد 5000 ميغاواط من الكهرباء من خلال تطوير أربع محطات غازية ومحطة طاقة شمسية. ومن أبرز الشركات الموقعة: “جنكيز للطاقة”، “باور الدولية”، و”كاليون للطاقة”.

استيراد الكهرباء من الجوار

في إطار الدعم الدولي، وافق البنك الدولي هذا العام على منحة بقيمة 146 مليون دولار لإعادة تأهيل خطوط النقل ومحطات التحويل، في وقت تسعى فيه سوريا لتعزيز الربط الكهربائي مع تركيا والأردن، ضمن ما يُعرف بـ”نظام الجزر المعزولة”.

ووفق أبو دي، من المنتظر بدء تشغيل خط الكهرباء مع تركيا بنهاية الربع الأول من 2026، ما سيسمح بتوجيه الكهرباء المستوردة إلى محافظة حلب، وتحرير جزء من الإنتاج المحلي لتوزيعه على محافظات أخرى. كما ستُخصص أجزاء من المنحة لإصلاح محطات التحويل في المناطق المتضررة التي تشهد عودة كثيفة للنازحين، على أن تُستكمل المشاريع المرتبطة بالمنحة خلال عامين.

إنتاج محلي متواضع وشركاء إقليميون

على صعيد الإنتاج المحلي، أعلنت وزارة النفط في فبراير دخول بئر “تيأس 5” في ريف حمص على الشبكة، بطاقة إنتاجية يومية تبلغ 130 ألف متر مكعب من الغاز، وهو رقم متواضع مقارنة بالحاجة اليومية البالغة 18 مليون متر مكعب لتشغيل محطات الكهرباء، بينما لا يتجاوز الإنتاج الحالي 10 ملايين متر مكعب، علماً أن سوريا كانت تنتج 30 مليون متر مكعب يومياً قبل عام 2011.

ورغم أن القدرة النظرية لمحطات التوليد تقارب 4000 ميغاواط، فإن ضعف إمدادات الوقود يحدّ من الإنتاج الفعلي إلى نحو 1300 ميغاواط فقط.

تحول جيوسياسي بخريطة الطاقة

يمتد التحول في مشهد الطاقة السوري إلى أبعاد جيوسياسية أوسع، إذ يُنظر إلى البلاد باعتبارها حلقة وصل استراتيجية ضمن مشروع إقليمي لإعادة ربط شبكات الطاقة بين الخليج وآسيا من جهة، وأوروبا من جهة أخرى، في ظل مؤشرات على تخفيف العقوبات الغربية وإعادة دمج دمشق تدريجياً في المنظومة الإقليمية.

ووصف تقرير صادر عن “اقتصاد الشرق مع بلومبرغ” السواحل السورية بأنها “سواحل النار وأمواج المصالح”، لما تمثله من أهمية جيوسياسية متزايدة في خريطة الطاقة بشرق المتوسط.

وبين الدعم القطري، وتدفقات الغاز الأذري، وشبكات الربط التركية، تتبلور ملامح خريطة طاقة جديدة في سوريا، لا تقتصر على معالجة النقص الفوري، بل تؤسس لتحول هيكلي طويل الأمد في موقع البلاد ضمن خريطة الطاقة الإقليمية. إلا أن بلوغ هذا الهدف يتطلب سنوات من العمل واستثمارات تُقدّر بعشرات المليارات من الدولارات.

 

شاهد ايضا

Focus Mode