الدكتور نضال المجالي
عجبنا ولا ما عجبنا، يمكننا أن نفاخر العالم بأننا الدولة الأولى في تطبيق الديمقراطية البرلمانية حسب الطلب، فلدينا عشرون مجلسا بعشرين قانونا، و“التفصيل” متاح دوما على المقاس. وإن ضاق القانون أو وسع، فـ”نقيفه” بما يلزم التجربة الجديدة، والثابت الوحيد – والحمدلله- في هذه الورشة المتحركة هو مجلس النواب كمؤسسة، أما النواب فهم متغيرات موسمية… يتبدلون بتبدّل الفصول السياسية.
اليوم، شهدت كثير من المقرات الحزبية واللقاءات السياسية واحدا من أهم ايام المجلس قبل انطلاق دورته الجديدة — يوم توزيع المواقع: الرئيس، النواب، المساعدان، واللجان مبطنة داخله. يوم يشبه في طقوسه “الجاهات” في القرى، حيث تقدم القهوة وتعقد التحالفات، لكن الفارق أن جاهات اليوم في غالبها تطلب العروس وهي قد سُجلت زوجة في الأحوال المدنية منذ أسبوع قبلها! فالرئيس معروف، ونوابه معروفون، واللجان مقسمة قبل أن تفتح صناديق الاقتراع ويودع فيها ولو ورقة واحدة.
كل حزب جاء بجاهته، وكل كتلة اصطحبت شيوخها السياسيين لتثبيت “حقها الشرعي” في لجنة أو مقعد، بينما يرفع شعار الديمقراطية فوق المنصة مثل لافتة “مبروك الخطوبة”. الرئيس هو العريس المتوافق عليه مسبقا، ونوابه شهود العقد، واللجان بيت الزوجية الذي تبدأ فيه الخلافات عادة من أول يوم.
أما الجلسة الأولى، فتتحول إلى استعراض للوجاهة أكثر منها جلسة عمل. الكل يبتسم أمام الكاميرات، ويؤكد أن “التوافقات نزيهة وشفافة”، رغم أن النتائج كانت معروفة حتى قبل أن يصب أول فنجان قهوة.
ورغم كل هذا، يبقى المشهد مدهشا: فنحن الوحيدون القادرون على تغيير القوانين وتبديل الأنظمة وتوزيع الكراسي دون أن يعلو صوت خلاف، لأن كل طرف مقتنع أن القانون الأخير “على قياسه”.
إنها ديمقراطية الجاهات… نادرة الصنع، محلية المنشأ، لا تدار بالصناديق فقط، بل بالجاهات التي تعرف من أين تؤكل الكراسي، وتعرف متى تقول: “ابشروا، اشربوا قهوتكم”.