خبر جديد – فيما تظهر الأرقام الرسمية باستمرار ارتفاع كلف الطاقة في الأردن، يتفق خبراء على أن التوسع في إنشاء المنازل الذكية والخضراء الموفرة للطاقة أصبح ضرورة وطنية واقتصادية وبيئية في ظل ما تسهم به في خفض الاستهلاك وحماية الموارد الطبيعية.
ورغم التحديات المتمثلة في ارتفاع كلف تأسيس أنظمة الطاقة الذكية والموفرة في المباني وضعف الوعي المجتمعي، فإن تزايد عدد العدادات الذكية وتوفر التشريعات وكودات البناء ووجود مبادرات من القطاعين العام والخاص يمثل قاعدة يمكن البناء عليها بحسب الخبراء.
وأكدوا أن تكامل الذكاء التكنولوجي مع الاستدامة البيئية يشكل الطريق الأمثل نحو مستقبل طاقي أكثر كفاءة في الأردن، ويمنح المواطن فرصة للعيش في مسكن مريح وصحي وموفر للطاقة، وفي الوقت نفسه يعزز أمن الطاقة الوطني ويحمي البيئة للأجيال القادمة، وهو الأمر الذي يدعو الحكومة بحسب الخبراء لتقديم الدعم لهذا القطاع.
يذكر أن إحصاءات رسمية أظهرت أن قطاع المباني السكنية والحكومية استحوذ على الحصة الأكبر من استهلاك الطاقة الكهربائية في الأردن خلال السنوات الخمس الماضية، وفقا لبيانات صادرة عن وزارة الطاقة والثروة المعدنية.
وبلغ مجموع استهلاك هذا القطاع خلال الفترة ما بين 2020-2024 ما يقارب 49.3 ألف جيجا واط ساعة من أصل نحو 103.4 ألف جيجا واط ساعة إجمالي استهلاك كل القطاعات الأخرى بما فيها الصناعي والزراعي وضخ المياه والتجاري والنقل وإنارة الشوارع، أي بنسبة تناهز النصف، 47.6 % من حجم الاستهلاك الكلي.
وعلى المستوى السنوي، ارتفع حجم استهلاك قطاع المباني السكنية والحكومية العام الماضي إلى نحو 11.01 ألف جيجا واط ساعة(47.2 %) من أصل 23.3 جيجا واط ساعة مقارنة من نحو 10.03 ألف جيجا واط ساعة العام الذي سبقه من أصل 21.7 ألف جيجا واط (46.2 %) من الإجمالي، وبزيادة نسبتها نحو 9.7 %.
التكامل بين الذكاء والتصميم الأخضر
أوضح عضو هيئة التدريس في الجامعة الأردنية د.أحمد السلايمة أن الفرق بين المنازل الذكية والمنازل الخضراء جوهري، فالمنازل الذكية تركز على الراحة والأتمتة من خلال ربط الأجهزة بشبكة الإنترنت ضمن مفهوم “إنترنت الأشياء”، بما يتيح التحكم بها عن بُعد، أما المنازل الخضراء، فتنطلق من فلسفة مختلفة قائمة على ترشيد استهلاك الموارد الطبيعية والاعتماد على مواد بناء صديقة للبيئة وقابلة لإعادة التدوير.
وأشار السلايمة إلى أن هذه المنازل تعتمد أعلى درجات العزل الحراري باستخدام تقنيات مثل الزجاج المزدوج، إضافة إلى استغلال مصادر الطاقة المتجددة كالألواح الشمسية لتوليد الكهرباء والسخانات الشمسية لتأمين المياه الساخنة، كما تدمج أنظمة لترشيد المياه تشمل الصنابير الموفرة، وحصاد مياه الأمطار، وإعادة استخدام المياه الرمادية، إلى جانب أنظمة فرز النفايات وإعادة التدوير.
وأكد أن المنازل الخضراء لا تحقق فقط وفرا في الطاقة والمياه، بل تحسن جودة الهواء الداخلي وتوفر بيئة صحية للسكان، وهو ما ينعكس على الصحة العامة والراحة النفسية. وأوضح أن هذا النوع من المنازل يسهم في خفض الانبعاثات الكربونية وحماية الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.
ولفت السلايمة إلى أن المنازل الخضراء كانت تُعتبر في السابق رفاهية، لكنها اليوم أصبحت ضرورة بفعل تطور التكنولوجيا وسهولة استخدامها.
وبين أن وجود العدادات الذكية شرط أساسي لقيام المنازل الذكية، إلى جانب شبكات كهربائية متطورة تستوعب هذه الأنظمة. كما أشار إلى دور الشبكات الذكية (Smart Grid) في ربط مجموعة منازل وتوزيع الأحمال بكفاءة أعلى.
وأضاف أن دخول البطاريات والسيارات الكهربائية عزز من أهمية المنازل الذكية، حيث يمكن برمجة شحن السيارة في ساعات الليل عندما تكون أسعار الكهرباء منخفضة، أو ضبط أنظمة التدفئة لتعمل تلقائيا في أوقات محددة.
وأوضح أن هذه التطبيقات لا توفر الطاقة فقط، بل تساعد أيضا على تخفيف الضغط عن الشبكات عبر تقليل أحمال الذروة، ما يحسن كفاءة النظام الكهربائي ويرفع جودة الحياة.
وشدد السلايمة على أن التكامل بين المنازل الذكية والمنازل الخضراء قد يشكل مستقبل قطاع الإسكان في الأردن، حيث يجمع بين الأتمتة التكنولوجية وحماية البيئة، وهو ما يوفر نموذجا للإسكان المستدام والمتطور في آن واحد.
التحديات والوعي المجتمعي
أكد السلايمة أن الوعي المجتمعي ما يزال محدودا فيما يتعلق بالمنازل الذكية والخضراء، ما يستلزم إطلاق حملات توعية عبر وسائل الإعلام والمدارس والجامعات للتعريف بفوائدها وآلية عملها.
وأشار إلى أن ضعف البنية التحتية يشكل تحديا أساسيا، حيث يتطلب نجاح هذه التجارب وجود إنترنت سريع وموثوق.
وأضاف أن حماية البيانات واحدة من أبرز التحديات، خاصة مع انتشار العدادات الذكية، ما يفرض الحاجة إلى أنظمة صارمة تضمن الخصوصية.
كما دعا إلى تقديم دعم حكومي عبر حوافز وقروض ميسرة، إلى جانب تشريعات تلزم بتركيب بعض الأجهزة الذكية مثل أنظمة التكييف والتدفئة الموفرة للطاقة.
ورأى أن الجامعات يجب أن تؤدي دورا محوريا من خلال تطوير برامج تدريب متخصصة ضمن كليات الهندسة والطاقة، بما يرسخ ثقافة الأبنية الذكية والخضراء لدى الأجيال المقبلة.
المنازل الذكية من رفاهية إلى ضرورة
من جهته، قال الخبير في شؤون الطاقة د. فراس بلاسمة إن “المنازل الذكية لم تعد مجرد ترف تقني، بل أصبحت ضرورة ملحة في ظل الظروف الاقتصادية والطاقية الحالية”.
وأوضح أن التجارب العالمية أثبتت أن هذه المنازل قادرة على خفض الاستهلاك المنزلي بنسبة تتراوح بين 5 و15 %، من خلال حلول بسيطة مثل “الثرموستات الذكي” أو “المقابس الذكية” التي تقلل من استهلاك التدفئة والتكييف، وهما أكثر عنصرين تأثيرا في فاتورة الكهرباء الأردنية.
وأشار بلاسمة إلى أن 87 % من العدادات الكهربائية في المملكة باتت ذكية بحلول عام 2025، وهو ما يتيح القياس الفوري والفوترة المرنة.
كما توسعت وزارة الطاقة في تطبيق تعرفة أوقات الاستهلاك (TOU) لتقليل الضغط على الشبكة وفي موازاة ذلك، دخلت شركات الاتصالات مثل “أورنج” و”زين” إلى السوق عبر باقات “Smart Life” التي توفر أجهزة للتحكم المنزلي الذكي.
ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، أوضح أن انتشار المنازل الذكية ما يزال محدودا بين المواطنين، مرجعا ذلك إلى ارتفاع الكلفة الأولية وضعف الوعي بجدوى الاستثمار في هذه الحلول، إضافة إلى غياب معايير موحدة للأجهزة والتطبيقات المستخدمة.
ولفت بلاسمة إلى أن الأردن سجل في صيف 2025 ذروة تاريخية للأحمال الكهربائية بلغت 4,700 ميغاواط خلال موجة حر استثنائية، وهو ما يعكس حجم التحدي الذي يواجه قطاع الطاقة.
وأكد أن إدارة الطلب المنزلي عبر حلول ذكية لم تعد خيارا تجميليا، بل ضرورة لتخفيف الأحمال وتجنب تشغيل محطات مرتفعة الكلفة.
وبين أن الأسرة الأردنية تستهلك في المتوسط نحو 8,000 كيلوواط/ساعة سنويا ويمكن لاعتماد حلول ذكية أن يخفض الاستهلاك بما يتراوح بين 400 و1,200 كيلوواط/ساعة سنويا، أي ما يعادل وفرا يتراوح بين 26 و77 دينارا في الفاتورة.
وعلى المستوى الوطني، فإن التوسع في تطبيق المنازل الذكية قد يؤدي إلى خفض ذروة الأحمال بنسبة تتراوح بين 5 و10 %، وهو ما يترجم إلى توفير عشرات الملايين وتأجيل مشاريع توسعة الشبكة الكهربائية.
وشدد بلاسمة على ضرورة تبني خطوات عاجلة لتعزيز انتشار المنازل الذكية، تشمل منح إعفاءات جمركية وضريبية للأجهزة المرتبطة بكفاءة الطاقة، وربطها بالتعرفة الزمنية (TOU) لتشجيع الأسر على تعديل استهلاكها. كما دعا إلى وضع دليل وطني لحماية البيانات المنزلية وتفعيل شراكات بين شركات الكهرباء والاتصالات لتمكين المواطنين من تقسيط كلفة الأجهزة على الفواتير الشهرية.
تشريعات وشهادات
بدورها، قالت الخبيرة في مجال الاستدامة والأبنية الخضراء م.هبة الناظر إن “المباني تمثل أحد القطاعات الأكثر استهلاكا للطاقة والموارد. ففي الأردن، يبلغ استهلاك المباني السكنية وحدها نحو 45 % من إجمالي استهلاك الكهرباء”
وأكدت أن التوجه نحو الأبنية الخضراء والموفرة للطاقة لم يعد خيارا بل أصبح حاجة أساسية.
وأوضحت أن هناك منظومة من كودات البناء الوطني مثل كودة العزل الحراري وكودة المباني الموفرة للطاقة، تهدف إلى تحسين الأداء الحراري للمباني وتخفيض الاستهلاك كما توجد شهادات تقييم للمباني الخضراء، بعضها محلي وبعضها إقليمي، تُمنح للمشاريع التي تلتزم بإستراتيجيات البناء المستدام.
وأضافت “التوجه نحو المنازل أو المباني الموفرة للطاقة أصبح حاجة أساسية لا يمكن تجاوزها، فهي تقلل من استهلاك الكهرباء وتوفر بيئة صحية أفضل للسكان وأثبتت الدراسات أن تصميم المباني بما يتكيف مع الظروف المناخية المحيطة يؤدي إلى تحقيق بيئة مريحة حراريا ونفسيا في مختلف فصول السنة”.
وأشارت إلى أن المنازل الخضراء تقلل الحاجة إلى وسائل التبريد أو التدفئة الميكانيكية، مما ينعكس مباشرة على التوفير المادي للأسر.
وبينت أن الكلفة الأولية لمثل هذه الأبنية قد ترتفع بشكل طفيف عند التنفيذ، إلا أن العائد الاقتصادي يظهر بوضوح ابتداء من السنة الأولى للتشغيل.
وأشارت إلى أن انتشار المباني الحاصلة على هذه الشهادات في الأردن آخذ في الازدياد، وهو مؤشر إيجابي، غير أنه ما يزال يتطلب المزيد من الجهود.
وشددت على ضرورة تعزيز الوعي المجتمعي والمؤسسي بأهمية الأبنية الخضراء سواء بين المواطنين أو الملاك أوالمستثمرين أو المصممين والمهندسين.
كما دعت إلى زيادة دور الرقابة لضمان الالتزام بتطبيق كودات البناء، إلى جانب تحفيز المواطنين للحصول على هذه الشهادات، باعتبارها برهانا على التزامهم بإستراتيجيات البناء الأخضر، بما يسهم في رفع كفاءة الطاقة وتقليل الأثر البيئي على المدى الطويل.تزايد العدادات الذكية والتشريعات المواكبة.. قاعدة التحول للمنازل الخضراء
” رهام زيدان-الغد “