خاص – محرر خبر جديد – هناك سرّ واضح لا يحتاج إلى كثير من التحليل، لكنه يحتاج إلى الكثير من الإحساس كي نفهمه: لماذا يبدو جلالة الملك عبد الله الثاني في كل مرة يلتقي فيها رفاق السلاح وكأنه يعود طفلاً إلى بيته الأول؟ ولماذا تخرج ضحكته صافية، عفوية، بلا تكلف، كما ظهرت في مزاحه الأخير معهم حين قال: “مين كان يفل من القفز؟”.
الجواب بسيط، لكنه عميق إلى حدّ يصعب شرحه دون أن يلامس القلب قبل العقل.
هؤلاء الرجال ليسوا مجرد ضباط متقاعدين، بل هم شهود على مرحلة من حياة الملك لا يعرفها إلا من عاشها معه. هم الذين شاركهم التدريبات القاسية، والساعات الطويلة في الشمس والمطر، والمواقف التي تختبر الرجال لا بالكلمات، بل بالفعل. معهم لم يكن الملك ملكاً، بل ضابطاً شاباً يتعلم ويمشي ويقاتل جنباً إلى جنب مع من أصبحوا اليوم صفحة ذهبية في حياته. ولهذا، حين يجلس بينهم، يتساقط العمر، وتبقى الروح كما كانت: صافية، قوية، صادقة.
سعادة الملك في هذه اللحظات ليست سعادة منصب، بل سعادة ذاكرة. فالجيش بالنسبة لجلالته ليس محطة، بل جذور تمتد في داخله وتشكل نظرته للحياة والقيادة والرجال. هو يعرف أن القيادة الحقيقية تبدأ في الميدان، وأن الانضباط والإخلاص والولاء معاني لا يتعلمها الإنسان في الكتب، بل في لحظات التعب والخطر والثقة المطلقة بمن يقف إلى جانبه.
الملك حين يمازح رفاقه، لا يمازحهم كملك، بل كأخ، كرفيق، كجزء من مجموعة صنعت منه رجلاً قبل أن يصنعته الظروف قائداً. ولهذا تخرج الضحكة صادقة، وتظهر الملامح أكثر دفئاً، وتنطلق الذكريات كأن الزمن لم يمضِ.
إن سرّ هذه السعادة هو ببساطة أنّ جلالة الملك يعود إلى الناس الذين يشبهونه، إلى اللحظة التي تشبهه، وإلى المكان الذي صاغ قلبه قبل أن يصوغ تاريخه. وهذه السعادة الصادقة هي أبلغ دليل على أن الإنسان، مهما علا شأنه، لا ينسى أصله، ولا ينسى الذين شاركوه الطريق.