العقوبات الأميركية على النفط الروسي تعيد رسم خريطة الطاقة العالمية

الرئيسية ⁠اقتصادالعقوبات الأميركية على النفط الروسي تعيد رسم خريطة الطاقة العالمية

العقوبات الأميركية على النفط الروسي تعيد رسم خريطة الطاقة العالمية

من mk
A+A-
Reset

في خطوة وُصفت بأنها الأقوى منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، فرضت الولايات المتحدة في 22 أكتوبر 2025 عقوبات مباشرة على عملاقي النفط الروسيين “روسنفت” (Rosneft) و**”لوك أويل” (Lukoil)**، مما أدى إلى اضطراب واسع في أسواق الطاقة العالمية، وتزايد المخاوف من أزمة إمدادات جديدة قد تمتد آثارها إلى الاقتصادات الكبرى والناشئة على حد سواء.

تشكل صادرات روسيا النفطية — والتي تبلغ نحو 7.3 ملايين برميل يوميًا وفق بيانات وكالة الطاقة الدولية (IEA) — ما يعادل 7% من إجمالي الاستهلاك العالمي للنفط الخام والمشتقات. ومع إدراج الشركتين على القائمة السوداء الأميركية، أصبحت غالبية الكيانات التي تشحن النفط الروسي إلى الخارج مهددة بعقوبات مماثلة، وهو ما يربك شبكات التوريد ويدفع الشركات العالمية إلى إعادة حساباتها في التعامل مع موسكو.

واشنطن تضرب قلب قطاع الطاقة الروسي

أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أن العقوبات تأتي ردًا على “إصرار الرئيس فلاديمير بوتين على مواصلة الحرب في أوكرانيا”، وأن الهدف منها هو تجفيف موارد روسيا المالية عبر تقليص عائداتها من النفط والغاز التي تمثل ما يقارب ربع الميزانية الاتحادية الروسية.

وتشمل الإجراءات منع جميع الكيانات الأميركية والمقيمين في الولايات المتحدة من التعامل مع “روسنفت” و”لوك أويل” أو أي شركات تمتلك فيها هاتان المؤسستان حصة تفوق 50%. كما تُلزم الشركات الأجنبية بتصفية تعاملاتها مع الكيانات الروسية الخاضعة للعقوبات بحلول 21 نوفمبر المقبل.

الخطوة الأميركية لم تأتِ بمعزل عن أوروبا، إذ أعلن الاتحاد الأوروبي في 23 أكتوبر عن حظر التعامل مع “روسنفت” و”غازبروم نفت”، مما يعمّق عزلة روسيا في سوق الطاقة العالمي. ويشير محللون في وكالة بلومبرغ إلى أن هذه الإجراءات تمثل “تحولًا جذريًا في السياسة الغربية من إدارة العقوبات إلى خنق مباشر لصادرات الطاقة الروسية”.

تداعيات فورية على الأسواق العالمية

منذ إعلان العقوبات، قفزت أسعار النفط بأكثر من 5% في الأسواق الآسيوية، وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت إلى ما فوق 64 دولارًا للبرميل، وسط توقعات بأن يؤدي توقف جزء من الإمدادات الروسية إلى زيادة الضغط على المنتجين في الشرق الأوسط وأفريقيا لتعويض النقص.

الهند والصين، أكبر مستوردي النفط الروسي — إذ تستوردان معًا نحو 3.6 ملايين برميل يوميًا — وجدتا نفسيهما في موقف حساس. فشركات التكرير الهندية أعلنت نيتها وقف معظم مشترياتها من النفط الروسي التزامًا بالقيود الأميركية، بينما تلتزم الصين الصمت الحذر، في ظل تباطؤ اقتصادها وارتفاع مخزوناتها من الخام.

وفي حال امتنعت الدولتان عن الشراء، ستواجه موسكو تحديًا هائلًا في إيجاد عملاء بديلين، ما قد يجبرها على بيع النفط بأسعار مخفضة للدول الإفريقية أو عبر قنوات غير رسمية.

استراتيجية “التحايل المنظم”

تاريخيًا، أظهرت روسيا براعة في الالتفاف على العقوبات. فبعد العقوبات السابقة التي فرضتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن في عام 2022، لجأت موسكو إلى ما يُعرف بـ “أسطول الظل” — شبكة من ناقلات النفط القديمة المملوكة لشركات غامضة ومسجلة في دول الملاذات البحرية، تنقل الخام الروسي بعيدًا عن الرقابة الغربية.

كما أنشأت موسكو بنية مالية موازية تعتمد على البنوك غير الغربية لتسوية صفقاتها النفطية، وخاصة في آسيا، مما سمح لها بالإبقاء على صادراتها البحرية عند نحو 1.5 مليار دولار أسبوعيًا خلال أكتوبر الجاري، بحسب بيانات بلومبرغ.

غير أن العقوبات الجديدة تختلف في عمقها، إذ تستهدف الشركات الرئيسية التي تدير خطوط الأنابيب والتصدير، وليس فقط الناقلات أو السماسرة، ما يجعل تأثيرها أطول أمدًا وأكثر تعقيدًا.

الهند والصين بين الامتثال والمصالح

بالنسبة إلى الهند ، التي استفادت على مدار عامين من شراء النفط الروسي بأسعار منخفضة، فإن العقوبات الأميركية الجديدة تمثل مأزقًا. فقد أبلغت كبرى شركات التكرير الهندية الحكومة في نيودلهي أنه من الصعب الاستمرار في استيراد الخام الروسي بسبب المخاطر القانونية والمالية.
وتشير التقارير إلى أن إدارة دونالد ترمب لوّحت بفرض رسوم جمركية عقابية على الهند بسبب تعاملها مع موسكو، ما دفع نيودلهي إلى التفكير في خفض الواردات مقابل الحصول على تنازلات تجارية من واشنطن.

أما الصين ، أكبر مستورد للنفط في العالم، فهي تتعامل ببراغماتية محسوبة. فبينما تواصل شراكتها الإستراتيجية مع روسيا، إلا أنها ليست مستعدة لتحمل كلفة إضافية أو مخاطر مصرفية جديدة. كما أن تباطؤ الاقتصاد الصيني وتراجع الطلب الصناعي يجعلان بكين أكثر تحفظًا في توسيع مشترياتها.

انعكاسات عالمية محتملة

يرى خبراء الطاقة أن تأثير العقوبات لن يقتصر على روسيا فقط، بل سيمتد إلى هيكلة سوق النفط العالمي بأكمله. فزيادة الضغط على الإمدادات الروسية قد تؤدي إلى تحفيز الطلب على نفط الشرق الأوسط، خاصة من السعودية والعراق والإمارات، الذين أصبحوا المستفيدين الأكبر من الفجوة الروسية في السوق الآسيوية.

في المقابل، قد تسعى موسكو إلى مقايضة نفطها بالسلع أو العملات المحلية مع شركائها في آسيا وأفريقيا، كجزء من استراتيجية “التحرر من الدولار”، وهو ما قد يغير موازين التسعير العالمي للطاقة في السنوات القادمة.

العقوبات الجديدة على قطاع النفط الروسي ليست مجرد إجراء اقتصادي، بل أداة ضغط جيوسياسية تهدف إلى إعادة تشكيل موازين القوة في سوق الطاقة العالمي. وبينما تسعى واشنطن إلى خنق موارد موسكو دون إشعال أزمة أسعار، تراهن روسيا على مرونتها التجارية وشبكاتها الموازية للبقاء لاعبًا رئيسيًا في سوق النفط.

النتيجة: العالم يدخل مرحلة جديدة من “حرب الطاقة”، حيث لا تُقاس القوة بعدد البراميل فقط، بل بقدرة الدول على المناورة بين السياسة والاقتصاد.- وكالات

شاهد ايضا

Focus Mode