شارك نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، مساء الاثنين في الجلسة الرئيسية من “مؤتمر الأمم المتحدة الدولي رفيع المستوى بشأن التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتطبيق حل الدولتين”، الذي يُعقَد في مقر الأمم المتحدة في نيويورك برئاسة مشتركة بين المملكة العربية السعودية الشقيقة والجمهورية الفرنسية الصديقة.
والتقى الصفدي عددًا من نظرائه على هامش المؤتمر.
وألقى الصفدي كلمة الأردن في المؤتمر، وتاليًا نصها:
“بسم الله الرحمن الرحيم
صاحب السمو الأخ الأمير فيصل بن فرحان آل سعود،
معالي الأخ جون نويل بارو،
الزملاء الأعزاء،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
نجتمع اليوم، أكثرية دول العالم، لنؤكّد أن ثمّة سبيلًا واحدًا لتحقيق السلام العادل الذي يضمن الأمن والاستقرار لكل منطقتنا: حل الدولتين، الذي ينهي الاحتلال والقهر والقمع، ويجسّد الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة، على التراب الوطني الفلسطيني، على خطوط الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية لتعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل، وفق قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية.
نجتمع اليوم، وكارثية الفشل في تنفيذ هذا الحل تتبدى أمام أعيننا قتلًا ودمارًا وتجويعًا واستبدادًا، جعلوا من القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني شعارًا يُرفَع ولا يُطبَّق.
نرى كارثية هذا الفشل في غزة، التي أحالها الاحتلال وعدوانه مقبرة لأهلها، ولقيمنا الإنسانية المشتركة.
أهل غزة يرتقون قتلًا وتجويعًا.
أمهات غزة يبكن أطفالهن أحياءً، وهم يتلاشون أمام أعينهن، لا يجدن قطرة ماء، أو لقمة خبز، أو حبة دواء يخففون بها وجعهم، وهم يفارقون حيوات قصيرة، لم يعرفوا خلالها إلا الحرمان والقهر والبؤس.
نراها في الضفة الغربية المحتلة، حيث يتسارع الاستيطان، وتزداد مصادرة الأراضي، ويُستباح الدم الفلسطيني، وتُنتهَك مقدسات المسلمين والمسيحيين، ويموت الأمل بالسلام، الذي يشكل الضامن الوحيد لأمن الفلسطينيين ولأمن إسرائيل.
ونرى غطرسة القوة الإسرائيلية على القانون الدولي، وعلى سيادة الدول في لبنان حيث تخرق إسرائيل اتفاق وقف النار. ونراها في سوريا، حيث تجتاح إسرائيل المزيد من الأرض السورية، وتعبث بشؤون سوريا الداخلية في الوقت الذي يدعم العالم كله إعادة بناء سوريا الجديدة الحرة المستقرة التي يعيش فيها كل السوريين بأمن وحرية وكرامة ومساواة.
الزملاء الأعزاء،
هذه حال تعرّي إنسانيتنا، تهدد أمننا الجماعي، تنسف مصداقية القانون الدولي وميثاق أممنا المتحدة أكثر، وتجعل الصراع مستقبل المنطقة، كما كان ماضيها، وكما هو راهنها.
يجب أن يتوقف العدوان على غزة فورًا. ويجب أن يمنع مجتمعنا الدولي موت طفل فلسطيني آخر قتلًا أو جوعًا أو عطشًا. يجب أن يعود أكثر من ستمائة ألف فلسطيني في غزة إلى مدارسهم، وأن يعود إلى مليونين وثلاثمائة ألف فلسطيني الإيمان بأن لحيواتهم قيمة، والأمل أن لأطفالهم مستقبل.
لذلك يجب أن تنجح الجهود المصرية القطرية الأميركية للتوصل لصفقة تبادل تنهي الحرب، وتعيد الحياة لغزة. ويجب أن تتدفق المساعدات الإنسانية عبر منظمات الأمم المتحدة وخصوصًا الأنروا دون انقطاع. كل المعابر يجب أن تفتح لإدخال المساعدات. والأردن مستمر في إدخال كل ما يستطيع من مساعدات عبر القوافل البرية، وجوًا حين لا تترك إسرائيل خيارًا آخر. الإنزالات الجوية ليست بديلًا عن القوافل البرية. لكن حجم الكارثة الإنسانية يجعل من إيصال كل وجبة غذاء أو علبة دواء إسهامًا في إنقاذ حياة. هذا هو الحجم الكارثي للمجاعة في غزة وإن كانت الإنزالات الجوية ستنقذ حياة طفل فلسطيني واحد سنقوم بها، لأن حياة طفل فلسطيني واحد تستحق أن تُنقَذ. وسنستمر بالقيام بكل ما نستطيعه للمساعدة في مواجهة هذه الكارثة الإنسانية عبر كل السبل المتاحة. والمملكة مستعدة للتعاون معكم جميعًا في هذا الواجب الإنساني.
ولا بد من أن يتحرك المجتمع الدولي بحزم وفاعلية لوقف الإجراءات الإسرائيلية اللا شرعية التي تقوض حل الدولتين في الضفة الغربية المحتلة.
اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان يجب أن يطبق. والاعتداءات الإسرائيلية على سوريا وتدخلاتها المستهدفة ضرب استقرار سوريا، وسرقة حق شعبها في الأمان والاستقرار وإعادة البناء يجب أن تنتهي.
الزملاء الأعزاء،
لن يؤدي مؤتمرنا اليوم إلى تنفيذ حل الدولتين. لكنه رسالة ضرورة أن العالم لا يرى إلا فيه طريقًا للسلام الذي يحمي المنطقة والأمن الدولي من ويلات المزيد من الصراع.
ومن كان عنده بديل عن حل الدولتين فليقدمه. الشعب الفلسطيني باقٍ في أرضه، ومتمسك بحقه. هل سيبقى أكثر من خمسة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وغزة المحتلة ضحايا احتلال لا يرى إليهم بشرًا يستحقون ما يستحقه غيرهم من الشعوب من حياة كريمة وحرية وحق تقرير المصير؟
هل الدولة الواحدة حيث يحصل الفلسطينيون على حقوقهم الإنسانية والسياسية خيار متاح؟ أم أن التمييز العنصري الممأسس إن لم ينفذ حل الدولتين حتمية ستعرّي ما تبقى من صدقية للقانون الدولي، وتجعل من السلام العادل الذي نريده جميعًا هدفًا مستحيلًا.
الحكومة الإسرائيليلة تقف ضد اجتماعنا اليوم وترفضه حدثًا لن يثنيها عن مسار تقويض حل الدولتين الذي تنتهجه. تدعي أن المفاوضات تحل الصراع. لكنها ترفض أن تفاوض، وتشرّع قوانين ضد حق الفلسطينيين في دولتهم، وتصادر أرضهم، وينكر المتطرفون في هذه الحكومة إنسانية الشعب الفلسطيني. إذا أرادت إسرائيل التفاوض فالقيادة الفلسطينية مستعدة لبدء مفاوضات ندعمها جميعًا اليوم، للوصول إلى سلام عادل يضمن الحقوق المشروعة للجميع.
لكن إسرائيل لا تفاوض. هذه هي الحقيقة. وآن للمجتمع الدولي أن يتحرك إزاءها وفق قناعاته التي تؤكّد دعمه حل الدولتين، وأن يتخذ خطوات عملانية واضحة لدعم تنفيذ هذا الحل، والتصدي بكل الأدوات المتاحة لمن يحول دون تنفيذه، ويحرم الفلسطينيين والإسرائيليين وكل شعوب المنطقة من حقهم في العيش بسلام.
الزملاء الأعزاء،
السلام العادل خيار عربي استراتيجي أكّدته مبادرة السلام العربية مذ العام2002. سلام عادل ينهي الاحتلال، ويضمن لإسرائيل الأمن وعلاقات طبيعية مع كل الدول العربية.
هذه المبادرة، التي تدعمها منظمة التعاون الإسلامي أيضًا، 57 دولة عربية ومسلمة ما تزال قائمة تنتظر شريكًا إسرائيليًّا ينخرط في مفاوضات حقيقية لترجمة وعدها سلامًا شاملًا دائمًا.
وإذا لم يكن تنفيذ حل الدولتين متاحًا اليوم. فحمايته ووقف الإجراءات التي تقوضه ضرورة عاجلة. والاعتراف بالدولة الفلسطينية خطوة مهمة نحو ذلك. نثمّن إعلان فرنسا عزمها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ونشكرها ونشكر من سبقها من دول في اتخاذ هذا القرار، وندعو كل دول العالم إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، تأكيدًا على وقوفها إلى جانب الحق، مع السلام، ومع القانون الدولي.
وستستمر المملكة الأردنية الهاشمية تدعم حق الشعب الفلسطيني في الحياة والحرية والدولة، وتكرس كل إمكاناتها لتحقيق السلام العادل الذي يلبي الحقوق، السلام الذي تقبله الشعوب، وينهي الصراع ويحقق الأمن والاستقرار.
الزملاء الأعزاء،
الاحتلال والسلام نقيضان لا يجتمعان. الاحتلال والأمن ضدان لا يلتقيان قتل الأطفال الفلسطينيين، تدمير مدارسهم ومساجدهم وكنائسهم لن يحقق السلام. وحده السلام العادل يضمن أمن الفلسطينيين والإسرائيليين، ويبني مستقبل الاستقرار والتعاون الذي نريده جميعًا.
نشكر المملكة العربية السعودية الشقيقة والجمهورية الفرنسية على تنظيم مؤتمرنا اليوم، صرخة دولية مشتركة أن كفى صراعًا واحتلالًا وقتلًا وقهرًا، وموقفًا جماعيًّا أن السلام العادل خيارنا، طريقه حل الدولتين، وما يحمله من فرصة لبناء مستقبل يسوده العدل لا الظلم، الأمل لا اليأس، والتعاون لا الصراع”. (بترا)