بقلم: أسامة أبو طالب
تخيّلوا معي…
سائح أوروبي أنيق، كان يحلم منذ سنوات بزيارة أرض المعجزات. قرأ عن الأردن كثيرًا: البتراء، وادي رم، البحر الميت، المغطس، جبل نيبو. حجز تذكرة، شدّ الحزام، وهبط في عمّان… يتوقع استقباله بتطبيق ذكي، دليل سياحي تفاعلي، أو حتى لافتة تقول له: من هون بتبلش رحلتك يا محترم
لكن ما وجده هو موظف جوازات ودود قال له بابتسامة: “يلا عيش المغامرة
وهكذا، بدأت قصة السائح التائه
الفصل الأول: الرحلة تبدأ… بلا بوصلة
أراد الذهاب إلى البتراء. سأل: كيف أصل؟
قيل له: “فيه باص مواصلات من مجمّع الجنوب، أو خذلك تاكسي بـ100 ل 150 نيره، وإذا كنت محظوظ، بتلحق على فزعة
وصل أخيرًا إلى المدينة الوردية. المنظر كما في الصور، ساحر. لكن لا لوحات إرشادية، ولا تجربة تفاعلية، ولا شئ يُخبره عن القصة خلف كل صخرة
وبعد الغروب… لا فعاليات، لا حياة ليلية، لا حتى قهوة تُغريه بالبقاء
و في الصباح جلس في ظل صخرة وقال
“جميلة… لكن التسويق سبق الواقع
الفصل الثاني: العقبة… بحر نائم على الشاطئ
قال لنفسه: “الآن سأستمتع بالبحر الأحمر
وصل العقبة… البحر أزرق، الشمس ذهبية، لكنه لم يجد شاطئًا عامًا بمستوى سياحي، والفنادق وخمس نجوم يتيمه بلا واجهة بحرية، والفعاليات؟ موسمية
سأل عن الأنشطة البحرية، قيل له: “تابع صفحة الفيسبوك”، أو “اتصل بفلان”. أما هو، فكان يبحث عن جدول منظم، عن مدينة بحرية تنبض بالحياة
فهمس لنفسه
“البحر جميل، لكن من دون رؤية… سيبقى مجرد صورة على إنستغرام
الفصل الثالث: رم، مادبا، جرش… قصص منسية في صمت المواقع
ذهب إلى رم… وانتظر تجربة فلكية كونية. وجدها؟ لا بل خيام فاقده للهوية المكانية، خدمات متواضعة، وتسويق يتحدث عن المريخ، بينما الأرض تئن من سوء التنظيم
زار مادبا… الكنيسة كانت هناك، وجبل نيبو كذلك، لكن لا ربط، لا مسار، لا تنسيق. فقط سائق يقول: ما فيه باص، بس بأوصلك بـس بتدفع خمسين نيرة
أما جرش، فزارها بعد انتهاء المهرجان، فبدت كمدينة هجرتها الأرواح… وأغلقت أبوابها حتى العام المقبل
فتنهّد وقال
“في بلاد أخرى، تعيش الآثار طوال العام… هنا، تستيقظ فقط بالمهرجان، ثم تعود للنوم
الفصل الرابع: من يُدير هذا الحفل؟
بدأ يسأل: من المسؤول عن السياحة؟
وزارة؟ هيئة؟ شركات ؟ غرف تجارة؟ جمعيات ؟
وجدهم جميعًا… لكن كلّ يغني على ليلاه، لا رؤية موحّدة، لا دليل موحد، ولا حتى جهة تتبنى “رحلة السائح” من الألف إلى الياء
قال
“في بلادي، التطبيق يُنظّم الرحلة بالدقيقة… هنا، أتبع حدسي، وأتمنى السلامة
الفصل الخامس: مملكة الكنوز… وخريطة بلا عنوان
لاحقًا، سمع عن مثلثات سياحية مدهشة
المثلث الديني: المغطس – جبل نيبو – كنيسة الخريطة
المثلث الأثري البيئي: وادي رم – وادي فينان – وادي حماد
• مثلث المغامرة: عجلون – أم قيس – جرش
• وحتى ما يُسمّى “المثلث الذهبي” (العقبة – رم – البتراء
لكن أين هذه المثلثات على أرض الواقع؟ لا خريطة، لا ربط، لا هوية موحدة. فقط أسماء تتكرر في النشرات، لكنها لا تُترجم إلى تجربة
فقال
“الأردن مملكة الكنوز… لكن البوصلة مكسورة، والخريطة ضائعة
الخاتمة: “أنا أحب الأردن، لكن
عاد إلى بلاده. قال لصديقه
“الأردن بلد رائع… يملك كل شيء: أمن، طبيعة، تاريخ، بشر طيّبون. لكنهم بحاجة إلى قليل من الحوكمة… وكثير من الشغف
وأضاف
السياحة عندهم لا تزال هواية موسمية، لا صناعة وطنية مستدامة
هامش جاد… وسط الكوميديا
حتى تكتمل الحكاية ويعود السائح ومعه غيره، لا بد من مصفوفة وطنية موحدة تنسق الأدوار، وتربط الجهات، وتوحد التجربة
نافذة استثمارية ذكية تُبسط الإجراءات، وتقدّم المحفزات، وتسهم في تسريع العائد
تصميم مسارات سياحية ذات هوية، تُسهم في إطالة مدة الإقامة وزيادة الإنفاق
ترويج رقمي حديث يخاطب العقول والقلوب
إشراك المجتمعات المحلية في الترويج والضيافة والمشاريع الصغيرة
استغلال الموقع الجغرافي وتحويل العقبة من نقطة عبور إلى نقطة جذب عالمية
هل نعيد صياغة القصة؟
هل نريد استقبال السائح بدون خريطة، ولا دليل، ولا هوية؟
أم نكتب سويًا قصة جديدة… عنوانها
“السائح يعود، وينفق، ويُحب… ويعود مجددًا
القرار ليس في يد السائح… بل في أيدينا