الرئيسية مقالاتالحديد يكتب .. اعتذار نتنياهو.. بين مأزق غزة وضغوط الداخل
"التخبط" في أخبار المنخفضات

الحديد يكتب .. اعتذار نتنياهو.. بين مأزق غزة وضغوط الداخل

من mk
A+A-
Reset

بقلم : زيدون الحديد

منذ السابع من أكتوبر 2023 لم يعرف بنيامين نتنياهو لغة الاعتذار، بل بنى خطابه على التبرير والإنكار، وعلى تسويق رواية «الأهداف العسكرية» لتغطية مجازر طالت البيوت والمدارس والمخيمات، ولكنه هذه المرة انحنى تحت الضغط، فحادثة قصف مستشفى ناصر في خان يونس، التي أودت بحياة عشرات المدنيين بينهم خمسة صحفيين أجانب، وضعت الكيان الصهيوني في مواجهة مباشرة مع العالم الغربي الذي طالما وفر له الغطاء السياسي.

إلا ان الاعتذار لم يكن سوى محاولة لتقليل الأضرار، لأن استهداف مستشفى مدني وسقوط صحفيين يعملون مع كبريات الوكالات الدولية جعل الرواية الرسمية تنهار أمام أول اختبار جدي. وكن نتنياهو لا يواجه أزمة في الخارج فقط، بل يعيش مأزقاً داخلياً غير مسبوق، ففي شوارع تل أبيب ومدن أخرى، خرجت عائلات الأسرى تغلق الطرق وتتصدى للشرطة وتصرخ بأن الحكومة تضحي بأبنائها من أجل بقاء رئيسها في السلطة.
وهنا كلمات والدة أحد الأسرى، عيناف تسنغاوكر، التي اتهمت نتنياهو بوضع العراقيل أمام الصفقة، لخصت شعوراً متنامياً لدى الداخل الصهيوني بأن الحرب فقدت بوصلتها، وأنها لم تعد إلا أداة سياسية لإنقاذ زعيم مأزوم يطارده الفشل وتهدده المحكمة الجنائية الدولية بتهم الإبادة الجماعية.
فاليوم الغضب الداخلي يتصاعد بالتوازي مع عزلة خارجية متنامية، والكيان الصهيوني، بعد اثنين وعشرين شهراً من الحرب، لم يحقق شيئاً يذكر ولم يقض على المقاومة، لم يستعد أسراه، ولم يحقق الأمن لمستوطنيه، وكل ما أنجزه هو تدمير غزة وارتكاب مجازر موثقة أمام عدسات العالم، وما يزيد الطين بلة أن حتى أقرب الحلفاء، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، بدأوا يشعرون بالحرج، فتصريح ترامب الذي قال فيه إنه «غير سعيد» بالهجوم على المستشفى يعكس بداية تحول في المزاج الأمريكي، إذ لم يعد بمقدوره الدفاع عن حليف يحرج الإعلام الغربي ويقتل مراسليه.
المعضلة التي يواجهها نتنياهو اليوم تتجاوز ساحة المعركة، فهو عاجز عن إنهاء الحرب خشية السقوط، وعاجز عن مواصلتها في ظل خسائر إنسانية ودبلوماسية تهدد مكانة كيانه، واعتذاره عن مجزرة المستشفى ليس سوى هروب إلى الأمام، ورسالة موجهة إلى واشنطن أكثر مما هي اعتراف بالذنب، لكن هذا الاعتذار لن يوقف الغضب في الداخل، ولن يعيد الثقة التي فقدها بين عائلات الأسرى، ولن يمحو صور الضحايا التي تملأ شاشات العالم.
إنها لحظة تكشف عمق الأزمة فالكيان الصهيوني يخسر روايته أمام الإعلام العالمي، ويفقد شرعية حربه أمام مجتمعه، ويعجز عن حسم معركة بدأها بشعارات كبرى وانتهى بها إلى حرب عبثية بلا أهداف، واعتذار نتنياهو، في جوهره، ليس إعلان مسؤولية، بل اعتراف غير مباشر بأن الحرب وصلت إلى طريق مسدود، وأن استمرارها بات خطراً على وجوده السياسي وعلى صورة كيانه في آن واحد.

شاهد ايضا

Focus Mode